تتسارع الأحداث السياسية على الساحة الفلسطينية، فتبرز لنا ثورة من نوع جديد، ثورة شعبية تسمى "مسيرة العودة الكبرى"، تتكاثف فيها أجزاء المجتمع الواحد؛ لتنتج قوة تحدٍ هائلة، تصب في صالح القضية.
تُعدّ المرأة الفلسطينية مثالا للثبات، والصبر والقوة. لقد لمع نجم المرأة الفلسطينية خلال مسيرة العودة، فكانت من أوائل الذين توجهوا للحدود، فكانت رفيقة الدرب، وكانت الأم التي صحبت أبناءها هناك، وكانت المؤازرة. لقد حافظت المرأة الفلسطينية على إدهاش العالم طيلة قرون مضت، ولم تزل تفعل هذا، فنراها قد جلست في مخيمات العودة مع صويحباتها تروي قصص البلاد، وتقوم بإعداد المأكولات الشعبية، وهي تتحرق للعودة إلى أرضها ودارها.
رأينا نموذج الشابة الفلسطينية المتطوعة، التي تعمل كممرضة، حيث افتتحت عيادة إسعافات أولية في مخيمات العودة بمجهود شخصي؛ لتساهم في إنقاذ الجرحى بعد إصابتهم، وتساعد من هم بحاجة لمساعدة. لمع نجم الفتاة الفلسطينية الشجاعة، التي تفكر كيف تنقذ إخوتها الشبان الذين سقطوا اختناقا جراء الغاز المسيل للدموع، فتغامر بروحها؛ لتتوجه نحوهم تحمل الماء، وشيئا من البصل في محاولة لمساعدتهم، غير آبهة برصاص العدو الصهيوني المتربص فوق السواتر الترابية، تركض وهي تحمل روحها على كفها، يحركها الواجب الوطني، وحس الأمومة الفطري المنغرس في جينات الأنثى بشكل عام.
تلألأ نجم المرأة الفلسطينية في مسيرة العودة، فكانت تتقدم صفوف الشباب، فهي الأم التي تحمي بجسدها جيشا من الأبناء العزل، وتركض نحو الحدود، تثبت علم فلسطين في أرض اشتاقت الأقدام أن تطأ رمالها، لا تلتفت للرصاص حولها، تؤمن بأن رسالتها أكبر من المطبخ، وتربية الأطفال في البيت، تؤمن بأن الساحة حين تشتعل عليها أن تكون وسط أبنائها تحثهم، وتزيد من عزيمتهم.
العالم يتوقف ذاهلا، غير قادر على تفسير امرأة تستقبل ابنها الشهيد بالزغاريد، كل القواميس تعجز عن ترجمة دموعها المحتبسة في عينيها، وهي تودع فلذة كبدها، وتزفه شهيدا، تذكر آخر مواقفها معه، وتدندن ببعض عبارات ترسم تقاسيم الوجع، لكنها لا تهتز، ولا يكف لسانها عن الحمد.
لقد أبدت المرأة الفلسطينية مسؤولية واضحة في الحراك الشعبي، ومثلت شريحة النساء، ووقفت على الحدود بكامل بهائها، وجمال حضورها، فكانت تنشد لأبنائها، وتشير للأرض البعيدة خلف السواتر الترابية، وهي تزرع فيهم الكلمات زرعا، وكلماتها ليست كالكلمات، هي أغاريد القائد الذي يرشد سربه للهدف المنشود.
في كل مرة يحاول العالم أن يصف الأم الفلسطينية بالقسوة، واللامبالاة، تحاول المرأة الفلسطينية أن تعزز مكانتها الوطنية بإصرارها على ممارسة الدور المنوط بها.
لله در نسائنا ما أوسع قلوبهن، وما أعظم صبرهن، وما أقواهن على الوجع!