على مقربة من البؤرة الاستيطانية "بيت شارون" وسط شارع الواد في البلدة القديمة بالقدس المحتلة، يلفت نظر المارّ هناك أعلام دولة الاحتلال ترفرف في محيط مقهى استيطاني يتردد إليه جنود ومستوطنو الاحتلال للحصول على المشروبات والوجبات السريعة بشكل مجاني.
وكانت جماعة استيطانية تدعى "شبيبة البلدة القديمة" حصلت على دعم مادي يقدر بـ13 ألف دولار على شكل تبرعات من مستوطني القدس والضفة الغربية لتجهيز وافتتاح هذا المقهى الذي استولت عليه جمعية "عطيرت كوهنيم" في تسعينيات القرن الماضي.
وجاء افتتاح المحل الذي يتوسط بؤرتين استيطانيتين في شارع الواد في أعقاب اندلاع انتفاضة القدس في شهر أكتوبر من عام 2015 التي فجرها الشهيد مهند الحلبي بعمليته الفدائية في طريق الواد بالبلدة القديمة.
ومنذ ذلك الوقت ظل المحل التجاري يقدم خدمات مجانية لجنود الاحتلال الذين يتواجدون في المكان، لكن وسط احتجاج مقدسي وبسبب الأوضاع الأمنية غير المستقرة في البلدة القديمة قرر المستوطنون إغلاقه واقتصار فتحه على أيام الأعياد التلمودية فقط حيث يكثر عدد المستوطنين والجنود خلالها.
يؤكد الناشط الإعلامي المقدسي محمد ادكيدك لـ"فلسطين" أن هذا المقهى بمثابة أولى خطوات السيطرة التجارية على البلدة القديمة ونقطة استيطانية جديدة تضاف إلى مئات النقاط الموجودة في شارع الواد أحد أهم شوارع البلدة القديمة وأكثرها حيوية.
وأضاف ادكيدك، أن المستوطنين شرعوا بعد أيام من افتتاح المقهى بوضع ما يعرف بـ"المزوزة التوراتية" وهي عبارة عن قطعة من الحديد نُحتت عليها كلمات من "التاناخ" وهو كتاب تلمودي لليهود، والهدف منه إجبار جميع المستوطنين على الوقوف لأداء طقوس تلمودية عندها وبالتالي الاستفادة من خدمات هذا المقهى، وهو ما يحوّل الجدار الملاصق للمقهى إلى "جدار مقدس" قد تتم مصادرته لاحقًا بحجة الصلاة مقابله.
ويعتبر التاجر المقدسي محمد الحروب أن هذا المقهى الذي افتتحه الاحتلال قبل عامين يعتبر ضربة قوية في خاصرة الاقتصاد المقدسي الذي يحاول الصمود بصعوبة.
ويضيف الحروب لـ"فلسطين" أن اختيار مكان المقهى في منطقة إستراتيجية كشارع الواد الذي يعد طريقا رئيسا للمتجهين إلى المسجد الأقصى، يؤكد أن للاحتلال أهدافا أخرى غير ما يدعيه من "إكرام لجنوده"، بل يتعدى ذلك إلى ضرب الاقتصاد في هذا الشارع تحديدًا، إذ يدفع وجود قوات الاحتلال المكثف في بلدة القدس القديمة المقدسيين إلى تجنب ارتيادها والشراء منها.
ولفت الحروب إلى أن شارع الواد يتعرض بالأساس إلى مضايقات من قبل الاحتلال، حيث يُمنع أصحاب المحلات التجارية من عرض بضاعتهم خارج محلاتهم إلا لمسافة محدودة جدًا ومعلمة بخطوط وضعتها بلدية الاحتلال، إضافة إلى فرض المخالفات على المحلات التي تدعي بلدية الاحتلال أنها لم تمنحها تراخيص لافتات محلاتهم.
بينما يعتبر المقدسي رائد أبو ارميلة أن الرسالة التي يريد المستوطنون إيصالها عبر هذا المقهى هي تعزيز فكرة إعدام الفلسطينيين بدم بارد.
ويشرح حديثه أكثر قائلًا لـ"فلسطين" إن هذا المقهى ثقة جنود الاحتلال بأنفسهم بعد أن يكونوا قد أعدموا شابًا فلسطينيًا والنتيجة تقديم مكافأة مجانية لهم تجعلهم يشعرون بأنهم يقومون "بأعمال بطولية" مما يشجعهم على القيام بمزيد من عمليات الإعدام.
ويرى أبو ارميلة أن هذه هي الخطوة الأكثر جرأة التي أقدم عليها المستوطنين في طريق الواد منذ احتلالهم مدينة القدس.