أقر مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في دورته المنعقدة بجنيف خمسة قرارات قدمتها منظمة التعاون الإسلامي تدين الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان في الضفة الغربية، بما فيها شرق القدس، وفي قطاع غزة، وطالب القرار _الذي صدر بموافقة 30 دولة، مع رفض دولتين وامتناع 15 دولة عن التصويت_ بمساءلة سلطات الاحتلال الاسرائيلية، حينها فشلت الولايات المتحدة الأميركية ودولة الاحتلال الإسرائيلي في إلغاء البند السابع الخاص بممارسات سلطات الاحتلال ضد شعبنا الفلسطيني في الأرض المحتلة وخارجها وكذلك في الداخل في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ومعارضتهما للقرارات الأربعة التي اتخذها المجلس لصالح دولة وشعب وقضية فلسطين، يؤكد من جديد أن أميركا رغم إمكاناتها الهائلة وتأثيرها القوي على الكثير من دول العالم، إلا انه ليس باستطاعتها شراء مواقف العديد من الدول بل معظم الدول التي صوتت لصالح هذه القرارات.
كما صوت المجلس لصالح قرار يدين أوضاع حقوق الإنسان في فلسطين ويطالب سلطات الاحتلال بالانسحاب إلى حدود 1967 والوقف الفوري لكل الانتهاكات ضد الشعب الفلسطيني وتنفيذ قرارات مجلس الأمن في هذا الشأن، داعيا في الوقت نفسه لاتخاذ تدابير عاجلة لحماية حقوق الشعب الفلسطيني ووقف بناء الجدار العازل وأي تدابير تغير من البنية الجغرافية والديموغرافية للأراضي المحتلة، ووقف جميع الأنشطة الاستيطانية خاصة في شرق القدس المحتلة، وتفكيك المستوطنات الحالية وإلغاء جميع التشريعات التنظيمية الخاصة بالمستوطنات، وتعويض الفلسطينيين عن جميع الأضرار التي لحقت بهم بسبب الانتهاكات الإسرائيلية، بسبب سياسة هدم المنازل في القدس الشرقية المحتلة والطرد القسري للفلسطينيين، وحرمان المصلين الفلسطينيين من الوصول إلى الأماكن المقدسة بما في ذلك شرق القدس المحتلة.
وكان الدرس المستفاد لها ولحليفتها ان مواقف الدول لا تشترى بأموال أميركا ولا بضغوطاتها، ولا بقطع المعونات والمساعدات عنها بطرق الابتزاز والعربدة، لكن ما حدث هو العكس تماما، فالولايات المتحدة تعزل نفسها عن المجتمع الدولي، الذي يرفض تجاوز قرارات ومواثيق الأمم المتحدة التي تعمل إدارة الرئيس ترامب على خرقها بانحيازها التام لدولة الاحتلال الاسرائيلية.
غير أن أميركا ودولة الاحتلال يبدو انهما لم يستفيدا من دروس التاريخ ونضالات الشعوب، فشعبنا مثله مثل بقية الشعوب التي تحررت من الاستعمار سيواصل نضاله حتى تحقيق كامل أهدافه في الحرية والاستقلال الناجزين، وجميع المؤامرات التصفوية وفرض الوقائع على الأرض المحتلة لن تمنعه أو تحول دون هذا النضال، لأن مصير جميع هذه الإجراءات هو الفشل الذريع.
صحيح أن هذه القرارات هامة بالنسبة لشعبنا وقضيته، خاصة وأنها تأتي في هذه المرحل الخطيرة التي تمر بها قضية شعبنا والمحاولات الامريكية الاسرائيلية البائسة لتصفيتها، إلا أن هذه القرارات وسواها من القرارات السابقة واللاحقة بحاجة لتغيير عملي على أرض الواقع، خاصة وان دولة الاحتلال وبدعم مطلق من الإدارة الأميركية تعمل على تغيير الوقائع على الأرض في الأراضي الفلسطينية المحتلة ظنا منهما بأن ذلك سيؤدي إلى فرض الأمر الواقع وبالتالي نجاحهما في تصفية القضية الفلسطينية، والسؤال الذي يطرح نفسه مجددا، ما الفائدة من قرارات تصدر من المنظمات الدولية، تؤكد كلها حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعودته إلى أرضه وانسحاب سلطات الاحتلال الاسرائيلية من الأراضي المحتلة، وإدانتها للاستيطان، إذا كان كل ذلك يوضع في الأدراج ويتحوّل مع الزمن إلى جريمة منسية؟
إن التقارير الاربعة لمجلس حقوق الإنسان الدولي تعتبر صيغة أممية جديدة تضاف إلى عشرات الوثائق المماثلة التي صدرت على مدى سنوات الاحتلال.. لكن واقع الحال يقول: إن العبرة ليست بالكلام أو البيانات إنما بالتطبيق، لأن العدالة لا تستقيم إلا بتثبيت الجرم وتحديد المجرم وسوقه إلى العدالة وإصدار الحكم عليه. لكن طالما ظل المجرم طليقاً ويمارس ما يراه مناسباً من جرائم وموبقات مستنداً إلى قوة غاشمة لديه وتتوفر له مظلة من الرعاية الأمريكية والغربية أقوى من القانون الدولي، فإن كل القرارات والإدانات والاتهامات مهما كانت موثقة بالقرائن والأدلة تبقى بلا قيمة ومجرد حبر على ورق لأنها بلا أنياب تحميها أو تفرضها.