أمام التحديات الكبيرة التي يتعرض لها فلسطينيو الشتات، والذين يشكلون نصف تعداد الشعب الفلسطيني، وفي ظل المِحن المتواصلة التي تعصف بهم؛ ابتداءً من معاناة فلسطينيي لبنان، ومحنة فلسطينيي العراق، وصولاً إلى مأساة فلسطينيي سوريا، يدرك المتابع للمشهد الفلسطيني أن كل هذه المصاعب والأزمات لم تكن لتوجد، أو على الأقل كان بالإمكان ألا تكون بهذه الحدة، لولا جملة من العوامل أدت إلى هذا الواقع المأساوي الذي يعيشه اللاجئ الفلسطيني في شتى أماكن وجوده خارج فلسطين.
*أول هذه العوامل هو غياب الدور الحقيقي الفاعل لفلسطينيي الشتات فيما يخدم قضاياهم، ويسهم في حل مشكلاتهم، وتحقيق مستوى معيشة مناسب لهم يدفع عنهم التحديات الكبيرة التي تواجههم.
* ثاني هذه العوامل هو انكفاء السلطة الفلسطينية على فلسطينيي الداخل، رافعة عن كاهلها أي مسؤولية تجاه أبناء شعبها في الشتات، لتُرحل مسؤوليتهم إلى منظمة التحرير الفلسطينية، التي ينبغي أن تكون المظلة المسؤولة عنهم وعن حل مشكلاتهم.
في نفس الوقت فإن حالة الجمود الهيكلي والوظيفي لمنظمة التحرير الفلسطينية، والتي أصابت كافة أُطرها ودوائرها، جعلت الأخيرة -رغم كونها إنجازاً مهماً على المستوى الدولي- عاجزة في نفس الوقت عن حل مشكلات أبناء الشتات؛ لعدم قدرتها على أن تشكل إطاراً حقيقياً معبراً عن تلك الشريحة الكبيرة من أبناء الشعب الفلسطيني، نابعاً منها، يستشعر آلامها ويحاول إيجاد علاج لها.
إن كل ما سبق، مضافاً إليه الإدراك الحقيقي لأهمية دور الشتات الفلسطيني الذي لطالما شكل خزاناً للثورة الفلسطينية، وأسهم في إشعالها، وقدم كثيراً من أبنائه شهداء قرباناً لحريته، واستشعاراً لأهمية دور الجناح الثاني للطائر الفلسطيني، بما يحقق نهوضاً سليماً، وتوظيفاً نافداً، وتكاملاً حقيقياً للطاقات التي يحملها الإنسان الفلسطيني، كل حسب دوره المنوط به بين الداخل والشتات؛ فإنه بات من الضرورة بمكان إيجاد مظلة تحمي حقوق فلسطينيي الشتات، تنصرهم، وتدافع عن مطالبهم السياسية والقانونية والإغاثية والوطنية، وتُفعل دورهم فيما يحقق مصالحهم، ويخدم قضاياهم الملحّة، ويوظف الطاقات الكبيرة التي تزخر بها التجمعات الفلسطينية خارج فلسطين، ويؤطرها تحت هيئة واحدة منتخبة تمثل عموم الطيف الفلسطيني في الخارج تمثيلاً حقيقياً، وتكون شريكة في صناعة القرار السياسي الوطني الفلسطيني.
لا شك أن الوجود الفلسطيني في الخارج بوعيه نجح في إحداث مثل هذه الأطر في بعض أماكن وجوده، وربما كان مؤتمر فلسطينيي أوروبا مثالاً واضحاً على مثل هذه التحركات، لكنني أعتقد أن المطلوب أكثر من ذلك، وينبغي أن يكون الإطار أوسع وأشمل، إذ يجب أن تشهد المرحلة القادمة حراكاً واسعاً شاملاً لكل فلسطينيي الشتات على اختلاف توزعهم، وصولاً إلى صيغة ما تلبي تطلعاتهم، يضع فيها كل فلسطيني في الخارج بصمته، ويسهم في فعالياته.
من هنا أقول وبكل بوضوح، ينبغي الجلوس على طاولة واحدة تفضي إلى إطار جامع لفلسطينيي الخارج، يشكل جناحاً رديفاً لفلسطينيي الداخل، تُجمع فيه الطاقات، وتدار بما يخدم مصالح أبناء شعبنا الفلسطيني في الشتات، ويحل مشكلاتهم، ومن ثم يحقق تطلعاتهم في العودة والتحرير.