في ظل الظروف السياسية التي يعيشها الوطن الجريح ازداد عدد الشهداء، وعلى إثر ذلك ازدادت المآسي التي نتجت عن هذا.
فبعد استشهاد الشهيد الذي خلف وراءه زوجة وأبناء نجد الكثير من المشاكل التي تواجه زوجته وأبناؤه، فذاك الراتب المسمى "راتب الشهيد" تكمن وراءه الكثير من المشاكل التي تعمل على تفعيلها الكثير من النوايا. فأهل الشهيد يريدون الأبناء للحصول على راتب الشهيد، ويحاولون أحيانا إكراه زوجته على الارتباط بأخيه من أجل أن يبقى الراتب تحت أيديهم، وتُمنع الأم من التصرف فيه. ليس هذا فحسب بل تهدد في كل لحظة إن تزوجت فلن ترى أبناءها، وتبقى المشاكل متأججة بين الفريقين، فالأهل يطالبون براتب الشهيد والزوجة تريد الحياة الكريمة لأبنائها فتمتنع عن الزواج؛ لأنها تعلم أن أبناءها لن يحظوا بهذا الراتب إن تركتهم عند ذويهم، بل سيأخذونه وينفقون عليهم القليل! هل بات أبناء الشهيد وزوجته محط تفاوض من أجل بضع دريهمات! هل ما تفعله بعض العوائل من مشاجرات حول هذا الراتب يليق بتضحيات الشهيد؟! أقل ما نقدمه للشهيد أن نصون أبناءه، ونحرص على مصالحهم ومصلحة زوجته، لا أن نحول حياتهم لجحيم، فنلاحق الزوجة طيلة الوقت من أجل الراتب، ونكرهها على حياة ما من أجل أن نحوز النقود.
بعد أن يرحل الشهيد للأسف الشديد تتحول علاقة العائلة (عائلة الشهيد) بأرملته، بالذات من ما يسمى "سلفاتها" أي زوجات إخوة الشهيد، فكل واحدة تبدأ معاملة جديدة، فهن يعاملنها على أنها خصم لهن، أو عدو مهدد لاستقرار حياتهن. الأمر ليس على إطلاقه لكنه يحدث للأسف، فتبدأ المكائد، حتى تتحول حياتها لجحيم لتضطر لمغادرة بيت العائلة لبيت أهلها، فكل واحدة تخشى على زوجها، وكأن هذه الأرملة تترصد أزواجهن لتصطاد واحدًا! ألا يكفيها ما تعانيه؟! لقد نجحت بعضهن في هذا وساهمت في ظلم هذه الأرملة، وبعض الأهالي يأخذن الأولاد منها بحجة أنهم أبناؤهم والمسؤولون عنهم، بعد أن يرحلوها من بيتها بالإكراه، بالأحرى "يطفشوها". متى سنتعامل مع زوجة الشهيد بأنها بشر، تملك قلبا، ويحق لها أن تحيا بسلام مع أبنائها، كما ويحق لها أن تتزوج وتعيش كما يعيش الآخرون، وتهديدها بأبنائها وحرمانها منهم أمر تشمئز له النفوس، فالمجتمع يجبرها أن تعيش مثقلة الكاهل بالهموم وحدها، ويحكم عليها أن تظل وحدها في الحياة وكأنها فرد منبوذ في المجتمع، أو أن المجتمع بأسره أصبح وصيا عليها وعلى تصرفاتها، فهل هي سلعة تباع وتشترى؟! من أشد انواع القسوة أن نكون أوصياء سوء، وأن نساهم في دمار إنسان، أو عزله عن الحياة؛ لإرضاء رغباتنا ومصالحنا.
متى يفهم المجتمع سبل الترفّق بالآخرين؟! ومتى ينشغل الناس بأحوالهم لا أحوال غيرهم سلبا لا إيجابا. لقد واجهت زوجة الشهيد الكثير من المصاعب من هذا النوع، ولم تزل تواجه هذا حتى الآن. فهلا كففتم وصايتكم عليها يا رعاكم الله!
قولوا خيرا أو اصمتوا، فبعض القلوب هشة أكثر مما تظنون.