كتب جيسون غرينبلات مساعد الرئيس الأمريكي والممثل الخاص للمفاوضات الدولية مقالًا بعنوان: "هل تملك حماس الشجاعة للاعتراف بفشلها؟"، عندما يكتب ساسة الغرب عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يكتبون بدهاء، ويكذبون بطريقة منطقية قابلة للتصديق والتسويق عند الجهلاء والبسطاء، ويظهرون المحتل الإسرائيلي ضحية والشعب الفلسطيني إرهابيًّا، ولكن غريبنلات كتب أو كذب بطريقة مفضوحة خالية من المنطق، أو لنقل إنه كتب بطريقة أقرب إلى التهريج والهذيان أحيانًا.
جيسون يحمل حركة حماس لا غيرها مسؤولية الأوضاع الكارثية في قطاع غزة، وينفي التهمة عن كيان الاحتلال الإسرائيلي؛ فهو لا يرى الحصار، ويقول: "إن غزة تمتلك ثروات هائلة استغلتها حماس في إنفاقها على السلاح، وترويع الإسرائيليين، بدلًا من بناء غزة وازدهارها"، يضيف: "لقد فرضت حماس _وليس (إسرائيل)_ الحصار على غزة بإخفاء المواد لصنع الأسلحة في شحنات المساعدات الإنسانية التي تنقل إلى غزة"، ثم يطالبها بالاعتراف بشرعية الاحتلال، وإعادة الجنود، ونبذ "العنف"، والاعتراف بالاتفاقات الموقعة مع المحتل، ونزع سلاحها حتى ترضى أمريكا عنها.
المقام لا يتسع للرد على جملة الاتهامات التي ساقها غرينبلات، ولكن أظن أنه ينظر إلى غزة التي يقال إنها لن تكون صالحة للحياة بعد عقدين من الزمان، لعدم صلاحية مياهها، فضلًا عن افتقادها الثروات الطبيعية؛ ينظر إليها كأنها دولة خليجية تمتلك ثروات هائلة، وهذا يشير إلى النظرة القاصرة للإدارة الأمريكية إلى طبيعة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي برمته.
يعتقد غرينبلات أن صفقة القرن التي رفضتها حماس وكل الفصائل الفلسطينية من شأنها أن تنهي سبب وجود حماس، ونحن نعتقد أن اعتراف الإدارة الأمريكية بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي وحده كفيل بإشعال الضفة وغزة، ومنح الفصائل المقاومة ثقة أكبر، وليس العكس، بل من الممكن أن تكون صفقة القرن سببًا في ظهور فصائل متطرفة لا تؤمن بالحلول السياسية الدائمة فضلًا عن المؤقتة.
قبل سنة من نهاية حكمه أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن أن غزة في ظل حماس ستتحول إلى جحيم، والضفة تحت حكم السلطة المحبة للسلام إلى جنة، وبعد عشر سنوات نرى أن الضفة وغزة تعيشان في جحيم الحصار والعقوبات الإسرائيلية، وإن كانت غزة تعاني أكثر، وهنا نسأل غرينبلات: لماذا قلصتم الدعم المالي للسلطة في الضفة، وانقلبتم على اتفاقية أوسلو، مع أن الرئيس الفلسطيني ملتزم بكل الشروط التي طلبتموها من حركة حماس؟! هذا دليل واضح على أن الإدارة الأمريكية كاذبة، والمطلوب فقط كسر المقاومة الفلسطينية، حتى يتسنى لكيان الاحتلال ومن خلفه أمريكا تمرير صفقة القرن، وإخضاع الشعب الفلسطيني والشعوب العربية للإرادة الصهيو_أمريكية.