فلسطين أون لاين

​الاكتئاب.. مرضٌ أخطر من المُتوقَع

...
غزة - صفاء عاشور

يُعد الاكتئاب من أكثر الأمراض خطورة، فهو يصيب النفس والجسم، ويدفع المُصاب به إلى التفكير بطريقة تدفعه لإيذاء ذاته، وقد يصل الأمر به إلى حد الانتحار، وليس من السهل التخلص من هذا المرض، ورغم خطورته فهو لا يلقى اهتماما كافيًا دوما، خاصة أن المرض النفسي يساوي "الجنون" وفق بعض المعتقدات المجتمعية الخاطئة، ما يدفع المرضى النفسيين لإخفاء مرضهم وعدم معالجته.

عوامل كثيرة يمكن أن تؤدي للإصابة بالاكتئاب، ولكن غالبًا تكون قدرة المصاب أو من حوله على تشخيصه ومعرفة عواقب الإصابة به قليلة للغاية، وكثيرا ما يتم الخلط بين الاكتئاب والمشاعر السلبية الأخرى التي تنتاب الإنسان من وقت لآخر، كالحزن مثلا..

9 معايير

الطبيب النفسي في عيادة رفح للصحة النفسية في وزارة الصحة الدكتور فضل عفانة قال: إن "الحديث عن الاكتئاب يحتم الوصول إلى مفهوم معين عنه، حتى لا يحصل نوع من اللبس بين الاكتئاب والمشاعر السلبية الأخرى التي تصيب الإنسان".

وأضاف في حديث لـ"فلسطين": "التقلبات المزاجية التي يمكن أن تصيب الإنسان تحدث نتيجة ظروف غير طبيعية يمرّ بها في بعض الأحيان مثل الإحباط أو القلق، وهذه تُعدّ ردود فعل طبيعية لعوامل سلبية ولأحداث غير طبيعية، ولكن لا يمكن تصنيفها على أنها اكتئاب".

وتابع: "يتم تشخيص الاكتئاب بعد توفّر عدد من المعايير والشروط، ومنها المزاج المكتئب في معظم أوقات اليوم، وفقدان الشهية، واضطراب النوم، والتفكير بالموت، وانعدام الإرادة، ولا بد من وجود تسعة على الأقل من هذه المعايير ليوصف الشخص بالمكتئب".

وأوضح أن مرض الاكتئاب منتشر عالميًا بنسبة تتراوح بين 3% إلى 12%، وقد صنّفته منظمة الصحة العالمية على أنه رابع مرض في العالم يُسبب الإعاقة، مبينا أن هذه دلالة خطيرة على مدى تأثيره على صحة الإنسان.

وعن انتشار المرض في قطاع غزة على وجه التحديد، بيّن عفانة: "لا توجد إحصائيات دقيقة يمكن من خلالها تحديد عدد المصابين بالاكتئاب، ولكن يمكن القول أنها فاقت 20% نظراً للكوارث المتتالية والأحداث الصعبة والضغوط النفسية التي يعيشها أهالي القطاع".

وأفاد أن الاكتئاب ينتشر عند النساء أكثر من الرجال بنسبة 2 إلى 1، لأسباب جينية وبيولوجية ونفسية يمكن أن تحفز عامل الإصابة، مستدركاً: "ولكن نسبة الانتحار الفعلية بسبب الاكتئاب عند الرجال أعلى منها بين النساء بسبع مرات".

أسباب الإصابة

وأوضح عفانة أن أسباب الإصابة بالاكتئاب كثيرة، منها العوامل البيولوجية المتعلقة بانخفاض هرمونات وناقلات عصبية معينة، والنظريات الوراثية بالإضافة إلى العوامل الاجتماعية والاقتصادية والضغوط النفسية.

وبين أنه يتم تصنيف الاكتئاب لدرجات، من خفيف إلى متوسط إلى شديد الإصابة، وأن منظمة الصحة العالمية تنصح بالتعامل مع الحالات الخفيفة بدون العلاج الدوائي والاكتفاء بالإرشاد النفسي، أما الحالات المتوسطة والشديدة يمكن أن تتطلب التدخل العلاجي واستخدام مضادات الاكتئاب.

وأشار إلى أن معظم المرضى المصابين بالاكتئاب تكون لديهم أفكار يمكن أن تدفعهم للانتحار، لافتاً إلى أن المحاولات الذاتية للانتحار يمكن أن تصل إلى 3.5% من بين المصابين بالمرض، كما أن 60% من حالات الانتحار في العالم سببها الاكتئاب، وهو ثالث سبب للموت على مستوى العالم، مؤكدا: "هذه النسب خطيرة وتستدعي وقفة جادة، وإعطاء هذا المرض أولوية في التعامل معه على كافة المستويات".

وشدد عفانة على ضرورة أن يكون العلاج النفسي من خلال طبيب متخصص يمكن أن يصل للإدراك المعرفي للشخصية المصابة بالاكتئاب وبالتالي الوصول إلى الخلل المعرفي والفكري الموجود عند المكتئب وتعديل الأفكار المشوهة عنده، بالإضافة إلى التعديل السلوكي.

ولفت إلى ضرورة إرشاد وتثقيف المريض بالاكتئاب وأعراضه، لأن نقص معرفتهم به يقودهم لاستنتاجات خاطئة يتبعها إيجاد حلول خاطئة، وهذا أمر منتشر في المجتمع الفلسطيني، على جحد قوله.

وعي قليل

وطالب عفانة بإيجاد برنامج توعوي نفسي متقدم لأهالي القطاع الذي يمر بظروف صعبة للغاية، خاصة أن التوقعات من مصادر الصحة النفسية "سيئة للغاية" فيما يخص انتشار الاضطرابات النفسية، مما يتطلب خلق وعي خاص بهذه المشكلة.

وقال: "لا يكفي اعتبار المشاكل النفسية غير ذات أولوية في تقديم العلاج لها، بل يجب أن تكون في مقدمة الأولويات، ولا بد أن يتم تضمينها ضمن الخطط المعمول بها في وزارة الصحة وغيرها من المؤسسات الصحية لتأخذ مكانها في تقديم الخدمات للسكان".

وأضاف: "وعي الطواقم الطبية بالاضطرابات النفسية كان شبه منعدم قبل عشر سنوات مضت، ولم تكن تتوفر الثقافة والمرجعية التي تساعد في استكشاف الاضطرابات النفسية والتعامل معها، رغم أن المستشفيات العامة والعيادات هي أكثر الأماكن التي تتعامل مع المريض النفسي".

وتابع: "المرض النفسي هو بمثابة وصمة عار في القطاع بسبب النظرة المجتمعية، وهذا يدفع المريض للجوء إلى الطبيب العام وليس للطبيب النفسي، لذلك لا بد من توفر إدراك بالاضطرابات النفسية للعاملين في العيادات والأطباء العامين".

وواصل عفانة: "وزارة الصحة انتبهت لهذا الأمر مؤخراً، حيث بدأت بالتعاون مع برنامج الصحة النفسية لسد الفجوة بين الأمراض النفسية وخدمات الصحة العامة".