يثير تعقيد الحالة في قطاع غزة تساؤلات حول جدوى العمل السياسي في عدد من الخيارات المطروحة، والتي وصلت حد الشلل والجمود التام، ومن ذلك: مستقبل الدولة الفلسطينية، والوحدة الوطنية، والعلاقة مع دول الجوار، ومستقبل ما يسمى بصفقة القرن، ومستقبل تطوير وضع منظمة التحرير الفلسطينية. ومن هنا أسوق جملة من المستحيلات التي توصل إليها الكاتب من خلال قراءته للتاريخ والواقع المعاصر:
أولًا: استحالة قيام دولة فلسطينية في الضفة وغزة تفصل بينهما إسرائيل. فقد فشل مشروع الدولة الفلسطينية في الضفة وغزة على مدار خمسة عقود كاملة من عمر الصراع. إن أحد أهم عوامل فشله أن إسرائيل الحاجزة بين إقليمي الضفة وغزة لا ولن تثق في أي كيان فلسطيني ينشأ فيهما، ولا سيما إن كان مؤمنًا بالتحرير وبالمقاومة المسلحة. إن أي كيان في الضفة وغزة لن تسمح به إسرائيل ما لم يكن تابعًا لها وفي حالة تطبيع كامل، وهي تستطيع منع التنقل بين الإقليمين برًا وجوًا وهو ما يترتب عليه إفشال مشروع الدولة فيهما. إن مشروع دولة فلسطينية مقاوِمة في واحد من الإقليمين هو أكثر جدوى منه في الإقليمين معًا. ولا بد من إعادة النظر في هذا المشروع وعدم إضاعة مزيد من عمر الشعب والقضية.
ثانيًا: استحالة قبول إسرائيل لدولة فلسطينية في غزة ولديها سلاح. فإسرائيل تخشى من أية قوة مسلحة للفلسطينيين ولاسيما داخل حدود فلسطين. وإن كيانًا مسلحًا في غزة سيؤرِّق إسرائيل. ولا يتصورن أحد أن صفقة دولية يمكنها أن تسمح بدولة مسلحة في غزة، لأن الهدف الأسمى للدول العظمى هو تأمين إسرائيل وليس تأمين أو دعم الفلسطينيين.
ثالثًا: استحالة قبول الأردن أو مصر لضم قطاع غزة ضمن اتحاد كونفدرالي ولديه سلاح. وقد طُرحت مشاريع الكنفدرالية بين الدولة الفلسطينية والأردن وعلى لسان قيادات منظمة التحرير ومن خلال اتفاق عمان في عام 1985م، لكن الأردن لن يُقدِم على مثل هذه الخطوة دون أن يكون لديه القدرة للسيطرة التامة على الوضع الأمني والعسكري في الإقليم الفلسطيني. ومصر بالتأكيد أكثر بعدًا عن هذا الخيار.
رابعًا: استحالة موافقة السلطة الفلسطينية على دمج قطاع غزة في السلطة أو الدولة الفلسطينية ولديه سلاح. وهذه هي معضلة ما يسمى بالمصالحة الفلسطينية، لأن السلطة الفلسطينية انتهت إلى قرار واضح بعدم حمل السلاح، وطالبت بدولة فلسطينية منزوعة السلاح. وقد طفا هذا المطلب على ألسنة قيادات السلطة الفلسطينية ورموزها. إنهم لا يملكون أية ضمانة يقدمونها لإسرائيل بأنهم قادرون على سحب سلاح المقاومة وبالتالي لن يتم دمج القطاع في الدولة الفلسطينية أو السلطة الفلسطينية التي تقودها منظمة التحرير من الضفة الغربية ما بقي السلاح بيد قوى المقاومة في غزة.
خامسًا: استحالة دخول وهيمنة حماس في منظمة التحرير الفلسطينية. فقد جربت حركة فتح خوض انتخابات تشريعية في عام 2006 ودخلتها حركة حماس فاكتسحت الغالبية فيها، فتحصّنت فتح بقلعتها الأخيرة في منظمة التحرير وهي لن تفرِّط فيها مهما كانت التطمينات، ومهما وقعت من اتفاقيات. كما أن الإقليم العربي، والمجتمع الدولي لن يسمح لحركة حماس والجهاد الإسلامي أن يدخلا منظمة التحرير إلى عل قاعدة الأقلية من أجل تمرير مخططات التصفية للقضية الفلسطينية وبغير ذلك فلن يسمحوا لحماس والجهاد بالدخول والسيطرة في منظمة التحرير.
سادسًا: استحالة الوحدة الوطنية الفلسطينية في ظل وجود فريق يعترف بإسرائيل. فالأصل في الشعب الفلسطيني منذ النكبة أنه متفق على عدائه لإسرائيل. وقد أسقطت منظمة التحرير هذا العداء من برنامجها السياسي واعترفت بإسرائيل وحقها في الوجود والعيش بسلام إلى جانب إسرائيل، وبالتالي أصبح هناك برنامجان في الساحة الفلسطينية؛ برنامج مقاومة وتصدي لإسرائيل تقوده حماس، وبرنامج استسلام واعتراف بإسرائيل تقوده فتح، وإلى أن يتخلى أحد الفريقين عن برنامجه لصالح الآخر فمن المستحيل قيام وحدة بينهما.
سابعًا: استحالة نجاح صفقة القرن أو أية مؤامرة على القضية ما بقيت المقاومة تملك السلاح. فإن أساس هذه الصفقة هو خدمة أطماع إسرائيل. وهذه الأطماع لا يعترضها سوى سلاح المقاومة في غزة. وبالتالي إما أن تمرَّر الصفقة عبر سحق المقاومة وتدمير سلاحها بشكل كامل كمتطلب سابق، وإما أن تستطيع المقاومة إفشال هذه الصفقة.