للعام الثاني على التوالي، يعيش الناجون من حرب الإبادة الجماعية على غزة، رمضانا ثانيا "ثقيلا" في مختلف جوانب الحياة المعيشية والإنسانية والصحية أمام مرأي دول العالم ومؤسساته الحقوقية والأممية.
ودون مراعاة للشهر الفضيل عند المسلمين، لم تتوقف (إسرائيل) خلال رمضان 2024 عن مجازر الدمار والقتل بحق الصائمين في غزة، ليعش الناجون من هذه الإبادة في رمضان 2025 حصار عسكريا مشددا شمل منع الإمدادات الغذائية والمعيشية والدوائية وغيرهما.
ومثالا، بدا هذا الحصار لافتا في أزمة الغذاء الذي يبحث عنه الغزيون في الأسواق المحلية بعد صيام 13 ساعة طوال نهار رمضان، دون العودة بوجبة للصائمين في البيت صغارا وكبارا، كما يقول الأب هيثم الزيناتي (45 عاما).
ويوميا، يتجول الزيناتي في الأسواق المحلية على أمل وجود أصناف جديدة من اللحوم أو المجمدات أو الخضروات، لكن دون فائدة في ظل الإغلاق الإسرائيلي المستمر لمعابر غزة منذ بداية الشهر المبارك.
الحصار برا وبحرا
وبقرار من رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، أغلق جيش الاحتلال معابر غزة ومنع إدخال جميع المساعدات الإغاثية والبضائع التجارية للمحاصرين في القطاع، وذلك بعد تنصله من الدخول في مفاوضات المرحلة الثانية لاتفاق وقف إطلاق النار برعاية مصرية وأمريكية وقطرية.
ويقول الزيناتي لصحيفة "فلسطين": "ما أشبه هذا الرمضان بشهره من العام الماضي، حصار مشدد في جميع مناحي الحياة.. البحث عن الطعم والماء والدواء أمر صعب للغاية".
وليس هذا فحسب، بل اشتكى المريض بالحصوة في الكلى من غياب المياه المعدنية من الأسواق المحلية التي تدخل لغزة عبر المساعدات الغذائية من الخارج، كما اشتكى من اختفاء بعض السلع وارتفاع ثمن بعضها الآخر.
وتعدى الحصار العسكري المحكم ذلك، إلى قطع الاحتلال خط الكهرباء الوحيد الذي نجحت مؤسسات أممية بإعادته صيف 2024 لمحطة تحلية المياه في مدينة دير البلح، وتغذي سكان محافظتي الوسطى وخان يونس بالمياه الصالحة للشرب، الأمر الذي يهدد مجددا بعودة أزمة العطش والتلوث من جديد لسكان القطاع.
ويضيف الزيناتي: "غزة لا تزال تعيش الحرب، بينما تتكدس شاحنات المساعدات في الجانب المصري"، آملا من الوسيط المصري الضغط على الاحتلال لفك الحصار البري عن غزة وإدخال جميع مستلزمات الحياة لسكانها وإنقاذهم من الموت والجوع.
في المقابل، لا يستطيع الصياد عمار أبو عبده الدخول بحسكته للاصطياد في بحر غزة والحصول على خيراته منذ "حرب الإبادة" أكتوبر/ تشرين أول 2023.
واشتكى أبو عبده في حديثه لصحيفة "فلسطين" من المنع الإسرائيلي لدخول الصيادين البحر عدا عن إطلاق النار والقذائف المتكرر من الزوارق الحربية صوبهم أثناء محاولات البعض الصيد قبالة الشاطئ.
ويقول (32 عاما): منذ 18 شهرا لم ينزل قارب واحد بحر غزة للصيد، الأمر الذي فاقم الظروف المعيشية للصيادين وعائلاتهم معا.
وتقدر معطيات حقوقية فلسطينية خسائر قطاع الصيد منذ بداية حرب الإبادة الجماعية بنحو 60 مليون دولار، شملت تدمير غرف الصيادين ومركباتهم ومعداتهم.
خيمة ونار
وقبيل آذان المغرب، يوقد الأب عدي حسونة (40 عاما) النار أمام خيمته المهترئة بقطع من الورق والبلاستك، لإعداد زوجته بعضا من الطعام لأسرته.
يقول حسونة لصحيفة "فلسطين": إن هذا الرمضان لا يختلف عن العام الماضي، فلا تزال الأزمات المعيشية قائمة دون حلول، لا طعام ولا دواء ولا غاز ولا مساعدات غذائية أو مستلزمات للإيواء أيضا.
وانعكست تداعيات الحرب على حياة الأب العاطل عن العمل بعد تدمير مركبته العمومية بداية حرب الإبادة في 2023، وهدم الاحتلال لمنزله شرق مخيم المغازي خلال عملية عسكرية وسط القطاع بداية 2024، وبدا وجهه شاحبا والشيب يكسو شعر رأسه ولحيته.
فلا يستطيع الأب شراء الحطب في مساعدته لإيقاد النار؛ لارتفاع سعر الكيلو الواحد منه 5 شيقل، الأمر الذي يدفعه لتوجيه أطفاله لجمع الكارتون من الأسواق والطرقات.
ولشهور عديدة طوال 471 يوما من "حرب الإبادة"، لم تدخل سلطات الاحتلال غاز الطهي أو الوقود للغزيين الأمر الذي دفعهم لحرق أشجارهم المعمرة وممتلكاتهم وأثاثهم لطهي بعض الطعام وسط شهور من "الجوع".
ويضيف: "انقضى رمضان العام الماضي وأقبل هذا العام ولا زلنا نطهو الطعام على الحطب.. الحرب لم تبقى لنا شيئا، لا منزل ولا مركبة ولا أثاث، أعيش في الخيمة منذ عام ونصف".
ويشرح حالة أسرته بقهر: "هذا هو حالنا، طعامنا يوما من المطابخ الخيرية (التكيات) أو البقوليات والمعلبات" التي يحصل عليها الغزيون عبر حصة غذائية من مؤسسات أممية وإغاثية عاملة في القطاع.
ويؤكد أن "حرب الإبادة" لا تزال مستمرة ضد غزة، فلا حياة ولا إغاثة ولا تغيرات معيشية حدثت خلال المرحلة الأولى لاتفاق وقف إطلاق النار الذي دام من 19 يناير/ كانون ثان حتى مطلع مارس/ آذار الجاري (شهر رمضان).
لا سيولة نقدية
ورمضان هذا العام الثاني على التوالي الذي لا تزال فيه الأم نجوى أبو خاروف (50 عاما) تواجه ذات الصعوبة البالغة في الحصول على سحب مساعدة مالية من أقرباءها في الخارج.
تحاول أبو خاروف البحث بين الحين والآخر عن مكتب صرافة لسحب المبلغ المالي الوارد إليها عبر "الحوالات المالية"، لكن ارتفاع نسبة الصرافة وخاصة في شهر رمضان يمنعها من ذلك.
وتقول لصحيفة "فلسطين": إن مكاتب الصرافة تريد نسبة 30 % من المبلغ؛ بذريعة عدم وجود سيولة في غزة، واصفة ذلك بـ "الحرام" و"الجنون".
وفي حال أرادات الأم الحصول على مبلغها المالي المقدر بـ 1000 شيقل نحو (300 دولار)، فستحصل عليه بعد نسبة الصرف بقيمة 700 شيقل (نحو 200 دولار)، وتضيف: "ماذا يكفى هذا المبلغ؟ .. الحرب والحصار والغلاء أرهق شعبنا".
وتتساءل: لماذا لا تفتح البنوك المحلية أبوابها لتخفيف شدة وطأة الحصار وتداعيات حرب الإبادة على الغزيين؟
وظهرت أزمة السيولة في غزة بعد أسابيع من بدء (إسرائيل) حربها الوحشية على غزة، وتوقف البنوك المحلية عن العمل وعدم إدخال "سلطة النقد الفلسطينية" أموال جديدة الأمر الذي تسبب بتدوير العملة وتلف أوراقها بين الغزيين، ولجوء بعض التجار للتطبيقات البنكية لتسهيل المعاملات التجارية.