فلسطين أون لاين

​على حافّة الحياة.. أطباء ينتصرون على "توقّف القلب"

...
غزة - نسمة حمتو

كانت كل محاولات الأطباء لإنعاشها صعبة للغاية، كيف لا وهي قد أصيبت بماس كهربائي حاد، وما زاد الطينُ بلة عدم دراية أهلها الكافية بالإسعافات الأولية اللازمة لها فوضعوها في "برميل" ماء بارد كي تستفيق، أكثر من نصف ساعة بحث فيها الأهل عن وسيلة للمواصلات لنقلها للمستشفى الإندونيسي شمال مدينة غزة وفي النهاية، نجحوا بنقلها على "تك تك" صغير وهي بلا نبض، ولم يبقَ على ملامحها أي أثر للحياة، تلك بداية قصة طفلة اقتربت جدا من الموت، لكن إرادة الله كانت أن تستجيب الطفلة لمحاولات الأطباء لإنقاذ حياتها..

هذه الطفلة وغيرها مرّوا بلحظات كانوا فيها "على حافة الحياة"، كتب الله لهم مواصلة حياتهم، وجعل بعض الأطباء سببًا في ذلك.. فكيف يعيش الطبيب لحظات الخوف على حياة المريض؟ وما الذي يشعر به عندما يرى المريض عاد إلى حياته التي أوشك أن يفقدها؟ وماذا عن المريض وأهله بعد هذه العودة؟

النجاة من الموت

بالعودة إلى تلك الطفلة، قضت ساعة من الزمن وقد اجتمع الأطباء حولها يحاولون إنعاشها بشتى الطرق، إلى أن وصل الطبيب حسام أبو صفية، والذي كان يعلم أن علامات الوفاة التي ظهرت عليها مثل اتساع حدقة العين وتوقف النبض فيها دلالة كافية على أنها إن عاشت فستعني طيلة حياتها من إعاقة دماغية.

رغم يأس جميع الأطباء من الحالة، إلا أن الطبيب أبو صفية لم يتوقف ولو للحظة عن محاولة إنعاش حياتها، باستخدام جهاز الموجات الكهربائية حاول في المرة الأولى ولم يفلح وفي الثانية كذلك وكانت المحاولة الثالثة بائسة جداً ولكنها أعادت النبض لحياة الطفلة مرة أخرى.

قال أبو صفية لـ"فلسطين" واصفاً حالته عندما انتعشت حياة الطفلة: "صرت حينها أقفز في المستشفى، وأصرخ بأعلى صوت (جهزوا غرفة العناية المركزة)، حتى جمع حولي المرضى والمراجعين".

وأضاف: "وبعد متابعة مستمرة لمدة 24 ساعة تم تحويلها لمستشفى الدرة، وهناك توقع الأطباء أن الإعاقة ستلازمها طوال حياتها، ولكنها شُفيت تماما، وبعد أيام جاءت إلى المستشفى، أمسكتها بيدي وطلبت منها أن تمشي، فأخذت تقبلني وتحتضنني، حينها قلت في نفسي (سبحان الله.. يحيي العظام وهي رميم)".

توقف النبض

الرضيع محمد مسعود (7 أشهر) كان يعاني من مشاكل في الجهاز التنفسي، قال والده: "بعد مبيت ليلة كاملة في المستشفى عدت للمنزل ولكنني وجدت حالة ابني زادت سوءًا، فعدت مرة أخرى للمستشفى، حينها استدعى الأطباء الموجودين طاقما كاملا للتعامل معه، وأخبروني أنه وصل لمرحلة الموت وتوقف قلبه عن النبض".

وأضاف لـ"فلسطين": "بفضل الله، تدخل الأطباء في الوقت الصحيح ساعد ابني على النجاة من موت محقق، وبعد انعاشه تم نقله لمستشفى الدرة وقضى فيها عشرة أيام ومن ثم عاد لوضعه الطبيعي".

ثانية = حياة

استشاري العناية المركزة الدكتور هاني سمور، قال لـ"فلسطين": "المرضى الذين يتوقف عندهم النبض ويكونوا في حالة موت محقق يتم التعامل معهم بعناية تامة، فالثواني هنا تعني حياة، وخلال سبع دقائق فقط تموت خلاليا الدماغ وينقص الأكسجين"، مضيفا: "نبدأ أولاً بإنعاش القلب والرئتين لاستعادة وظائف القلب من جديد من خلال الصدمات الكهربائية والتنفس الصناعي والتدليك الخارجي لعضلة القلب".

منذ أقل من شهر، واجه الطبيب سمور حالة صعبة للغاية عندما وصل شاب للعناية المركزة وقد توقف قلبه بشكل مفاجئ، ولم يكن يعاني من أي مشكلة من قبل، وعن ذلك قال: "توقفت جميع وظائف الجسم عن العمل وعلى رأسها الدماغ ودخل في غيبوبة عميقة".

وأضاف: "بعد محاولات عدة، استجاب هذا الشاب للعلاج وبدأ يتعافى واستعاد الوعي مرة أخرى، ولو تأخر وصوله إلى المستشفى قليلاً لكان فقد حياته"

ويُعدّ "توقف القلب الرئوي" من أسوأ الحالات التي تستوجب التدخل السريع، لذا عندما تصل مستشفى الشفاء حالة تعاني من هذه المشكلة يدوي جهاز إنذار، فينطلق الأطباء بسرعة مخيفة ركضاً على الأقدام نحو المريض لإنقاذه.

أوضح سمور: "بعد عودة التنفس بشكل طبيعي للمريض، تبدأ مرحلة ما بعد الإنعاش، وعودة دقات القلب للعمل لا تعني أن الانعاش ناجح بنسبة 100%".

بين التفاؤل والتشاؤم

من جانبه، قال مدير العناية المركز في مستشفى الشفاء الدكتور جهاد الجعيدي: "عندما تعود دقات القلب مرة أخرى، فهي تدل على مؤشرات جيدة وأخرى غير جيدة، وحينها لا نعرف أنشعر بالتفاؤل أم التشاؤم، ولكن كل ما نعرفه حينها أننا لا نستطيع مشاركة هذا الإحساس مع أهل المريض".

وأضاف لـ"فلسطين": "نحن لا نملك الحق الأخلاقي في السؤال عن المصير بعد ذلك، ولا نستطيع الحديث عن ذلك مع أهل المريض، فإما تحسن كامل وعودة للحياة وإما تدهور وموت، ولا نستطيع في كلا الحالتين التنبؤ".

الشعور يختلف تماماً عندما يتعافى المريض بشكل كامل ويعود للحياة، ومن ثم يزور المستشفى ليقابل الطبيب المعالج، ففي هذه اللحظات يتأمل الطبيب كيف جعله الله سببًا في إعادة الشخص الواقف أمامه إلى الحياة مرة أخرى.

وعن هذا الشعور، قال الجعيدي: "تشعر حينها أن الله أرسلك في لحظة معينة لتتولى أمر إنقاذ المريض وتساعده كي يعود للحياة".