إن أكثر ما يتعب المرء في حياته هو تشتت علاقاته بين الكثيرين ممن حوله، لكن دون جدوى.
ونخص بالذكر العلاقات المهترئة، ونقصد بها العلاقات التي تجعلك على قيد التوتر طيلة الوقت، تحد من طموحك، وتسكنك قرب جدران العزلة، أو الإحباط.. إن أفضل تسمية لهذه العلاقات كلمة "المهترئة"، والتي لا تقوم على تفاهم وتقدير وتوازن من جميع الاتجاهات، بل تكون مُطالبا طيلة الوقت بالتبرير، ومحاولة الإرضاء، والتنازل عن كثير من مبادئك مقابل كسب هذا الطرف أو ذاك.
إن العلاقات من هذا النوع تتآكل فيها المودة والتفاهم والحب شيئا فشيئا، حتى تصبح عبئا ثقيلا ينوء به قلبك، ثم ينعكس على جسدك، ومن ثم على أدائك لأنشطتك اليومية، فلا حماسة، ولا إبداع.
هل تستحق مثل هذه العلاقات أن تصل بنا إلى هذا المنحى؟! من الأوجب لنا أن نتخلى عن أي نوع من الأذى قد يلحقه آخرون بنا، أو نلحقه نحن بذواتنا من خلال تعلقنا بهم، لكن ماذا لو كان الأمر لا مفر منه؟! هنا علينا أن نتخذ إجراءات بهذا الشأن، حتى تكون علاقاتنا صحية.
المعنى المقصود بصحية "ألا تؤثر علينا سلبا"، مهما كان حجم جبريتها وفرضيتها في حياتنا.
نحن نتعامل مع هذه الشاكلة من العلاقات بسطحية تامة دون التعمق الشعوري، أي: دون التأثر في الصميم من الشخصية المقابلة، وهذا لا يكون إلا من خلال إجادة فن التغافل، والذي يرتقي بنا إلى الحفاظ على صحتنا النفسية، والمحافظة على حماستنا ومستوى إنجازاتنا.
السؤال الذي علينا أن نطرحه: ما مدى علاقتي بهذه الشخصية؟ هل تضيف لحياتي رونقا وبهاء؟ هل تدفع بي للتقدم نحو الأمام أم تتسبب في تراجعي؟ هل تسحبني من طبيعتي نحو الأفضل أم تجذبني نحو الأسوأ؟ كل هذا علينا أن نزن حجمه من خلال مفهوم العمق والسطحية.
هناك علاقات نخوضها بعمق وهي علاقات إيجابية وهي بخلاف تلك التي نخوضها بسطحية تجنبًا لأضرار ما أو تفاديا لتبيعات نحن بغنى عنها. لماذا لا نعلنها على دواخلنا: وداعا للعلاقات المهترئة.
نتوقف هنا عند ظاهرة الاحتفاظ بالكثير من هذه العلاقات الذائبة في محيط التشتت، القائمة على مبدأ عبودية الشعور بلا موجبات، أو بالأحرى بلا مقاييس أو قيود لنتساءل هل الاستغناء عنها أو تحجيمها سيزيد من راحتنا النفسية، إن كان الجواب بنعم فمن العدل تجاه أنفسنا أن نعيد النظر فيها من جديد. ولنتذكر حاجتنا إلى صحتنا النفسية أكثر بكثير من حاجتنا لعلاقات ممزقة ومفتتة.
لقد أصبحنا نعاني من التشتت، لأننا ببساطة نضغط أنفسنا ونزهق أملها من خلال علاقات سطحية بالأساس، بنينا لها وجها من العمق، وكلفنا أنفسنا الثبات عليه.
الحياة تقام على الإيجاب والسلب، فلا تثقلوا كف الإيجاب بسلب أنتم في غنى عنه، ولنتذكر أن الشمس تشرق رغم كل ما يدور في الأرض من كوارث، فلنتعلم منها مبدأ الإشراق.