الواقع الأليم والظروف الصعبة التي يمر بها قطاع غزة لاشك أن هدفها إشغال الناس الصامدين في القطاع عن التفكير بالأرض والقدس والمقدسات والقضية، وهي حرب اقتصادية اجتماعية هدفها ثني عزيمة وإرادة أهل قطاع غزة، وإنهاكهم في مواجهة الظروف الحياتية الصعبة بسبب اشتداد الحصار.
معاناة غزة وآلامها جعلتها تكبر في نفوس الآخرين، وصنعت جسرًا يمر عليه الثائرون من أجل تحرير فلسطين من دنس المحتلين، وما تعيشه غزة أليم جدًّا في ظل ارتفاع نسب الفقر والبطالة، وانهيار الخدمات الإنسانية الصعبة وسط انقطاع الكهرباء، وتوقف الكثير من المستشفيات عن تقديم خدماتها، بسبب نفاد الوقود، هذا الواقع الأليم لن يكسر عزيمة صمودها.
وحسب التقارير الإنسانية للمراكز الحقوقية عن غزة هناك حصار صهيوني شديد على القطاع، وترتفع نسب الفقر والبطالة إلى 65%، و80% من سكان قطاع غزة يعتاشون على المساعدات الإنسانية، أما الواقع الصحي فهناك زيادة كبيرة في أعداد المرضى، خاصة مرضى السرطان والفشل الكلوي، وفي آخر إحصائية قدر عدد مرضى السرطان في قطاع غزة بــ(13 ألف) مصاب يحتاجون إلى علاجات يومية، هذا فضلًا عن عدد المرضى الذي قضوا نحبهم على أرض غزة بسبب إغلاق المعابر.
إن قطاع غزة يعايش الآلام والنكبات منذ احتلال أرض فلسطين عام 1948م، ولم يهدأ القطاع يومًا، وهو إحدى بوابات تحرير أرض فلسطين على مر التاريخ، والباحث في تاريخ أرض غزة يقف على بطولات وصمود أهل غزة عبر التاريخ، ويقرأ الكثير من المواقف والمشاهد لأهل غزة وثوارها، ويكفي غزة أنها المخزون الثوري والنضالي لكل الثورات التي قامت منذ الاحتلال البريطاني لأرض فلسطين، ولا يستطيع أحد الكتابة عن غزة دون أن يمر على تاريخها النضالي، ودون أن يتحدث عن صمود وجهاد أهلها في وجه المحتلين.
لقد واجه قطاع غزة الصعاب الجسام خلال السنوات العشر الأخيرة وحروبًا عسكرية مدمرة، وانهالت على غزة عشرات الأطنان من القنابل ودمرت أحياء كاملة فيها خلال الحرب الصهيونية الأخيرة عام 2014م، وهناك عائلات بأكملها قضت شهداء خلال الحرب على غزة، ولكن التحديات والصعاب والآلام كافة تبقى بمنزلة مخاض عسير تحياه غزة في انتظار التحرر من دنس المحتلين.
قاوم قطاع غزة محاولات ومؤامرات طمس وتهويد القضية الفلسطينية كافة، وتصدى لمحاولات تهويد وتقسيم المسجد الأقصى المبارك، ولا يمر يوم على غزة دون أن تصرخ في وجه المحتلين وأعوان الاحتلال أن أنقذوا المسجد الأقصى، ولا يمر يوم على غزة دون أن تصرخ من أجل حماية أرضنا المحتلة في الضفة، والوقوف في وجه بناء المستوطنات ومواصلة سرق أرضنا في الضفة، فقد قاومت غزة محاولات التصفية والتهويد للقضية الفلسطينية كافة، وانتصرت على الحروب ومحاولات التركيع والتجويع لشعبها الصامد.
إن محاولات تجويع وإذلال أهل غزة وتركعيهم لن تجر على الصهاينة والأمريكان إلا الويلات والنذالة والخنوع، وإن الحصار الخانق تكتمل حلقاته على غزة، وتتكشف الجريمة الأمريكية بحق أهل غزة إذ تعمل أمريكا على وقف المساعدات التي تقدم لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين وإغلاق مقارها ومؤسساتها في مناطق العمليات كافة، بهدف تصفية قضية اللاجئين، وتنفيذ صفقة القرن الأمريكية، خاصة أن أكثر سكان قطاع غزة هم لاجئون.
إن الزائر إلى أرض غزة الطيبة يعيش الآلام والمعاناة مع أهلها الصامدين ويدرك حجم المأساة التي تحياها، لكنّ غزة ستبقى حرة ولن تسلم سلاحها، ولا تسلم قرارها في الحرية لأحد، وستحيا بشرف وعزة دون أن تسلم هذا السلاح، وهو رأس مال أهل غزة الصامدين، وهو طعامهم اليومي يصنع لهم العزة والكرامة.
غزة الباسلة لن تخيفها الحروب، ولن تفزعها القرارات الأمريكية الظالمة بحقها، وستكون غزة الصخرة التي تتحطم عليها المؤامرات كافة، وستبقى غزة عظيمة صاحبة إرادة كبيرة بأهلها وأبنائها الصامدين المتسلحين بالإيمان والصبر والتحدي والبسالة، في مواجهة مخططات ومؤامرات العدو الصهيوني.
إن المؤامرة على غزة تستهدف نزع سلاحها وإبقاءها ضعيفة فقيرة تستجدي الآخرين لحمايتها، لكن مع الآلام والحصار على غزة العدو الصهيوني يحسب لغزة ألف حساب قبل أن يقدم على شن حرب مسعورة، ويدرك أن غزة محضن الرجال والمقاومة، وستصمد في وجه أي عدوان يستهدف اجتثاثها ويستهدف طمس هويتها، ودفعها إلى رفع الراية البيضاء والرضوخ للقرارات الأمريكية الصهيونية.