تتعاقب الأيام والسنون على قرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي ينص على حق اللاجئين الفلسطينيين لعودة إلى ديارهم التي هجروا منها عام 1948 على يد العصابات الصهيونية دون أي مبادرة أو محاولة لتنفيذه من قبل الأمم المتحدة، بل على العكس من ذلك تسعى إسرائيل إلى إلغاء حق العودة عن طريق مفاوضات التسوية مع منظمة التحرير الفلسطيني، وترفض إسرائيل أي مبادرة للتفاوض تحتوي على بند حق العودة.
وعرضت (إسرائيل) عدة مبادرات لتوطين الفلسطينيين في الدول التي فروا إليها وتعويض اللاجئين عن الممتلكات التي فقدوها بمبالغ مالية ضخمة، إلا أن الفلسطينيين رفضوا تلك الحلول والمبادرات التي تعمل على نسيان حقهم في العودة إلى وطنهم الذي هجروا منه في عام 1948.
ونتيجة لهذا التجاهل المتعمد لقرار الأمم المتحدة 194 حاول الفلسطينيون العودة إلى أراضيهم عبر مسيرات حاشدة انطلقت من أماكن لجوئهم المؤقت في عام 2011 إبان ثورات الربيع العربي التي اكتسحت العديد من الدول العربية، إلا أن الاحتلال جابه المسيرات السلمية بإطلاق النار عليها واستشهد العديد من المشاركين في المسيرات الشعبية السلمية.
وخلال الأيام الماضية ظهرت دعوات لحشد جماهيري هائل ينطلق من مخيمات اللاجئين في الدول العربية المحيطة بالكيان الصهيوني ومخيمات اللاجئين في الضفة والقطاع باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 1948، ونصب خياما للاجئين على حدود الكيان الصهيوني لوضع العالم الحر والضمير الإنساني أمام ذاته.
ومع أني لا أثق كثيرًا في الضمير الإنساني الذي لا يرى إلا ما يريد أن يرى ويتجاهل ما يريد أن يتجاهل، إلا أن الحراك الشعبي هو الخطوة المناسبة في الوقت الحالي الذي تتعرض فيه القضية الفلسطينية إلى محاولات تصفية وإنهاء كل ما يتعلق بها عبر صفقة القرن التي أعلنت عنها الولايات المتحدة الأمريكية.
فالأوضاع الحالية للقيادة الفلسطينية مزرية جدًا، وتدل على حالة من الترهل الشديد وعدم القدرة على مجابهة التحديات الخطيرة التي تتعرض لها القضية الفلسطينية في الوقت الحالي، وخاصة مع تزايد الضغوط الخارجية عليها من بعض الدول العربية التي تسعى بقوة إلى إنجاح صفقة القرن وإنهاء القضية الفلسطينية من جذورها، وفي ظل العلاقات العربية الإسرائيلية التي وصلت إلى مستوى خطير من التطبيع.
في الوقت الذي يعيش فيه قطاع غزة أسوأ مراحل حصاره الذي اشتد بشكل كبير، وينذر بانهيار كامل في كل مناحي الحياة في القطاع المحاصر، وفي ظل عدم وجود بدائل للقيادة الفلسطينية في قطاع غزة وتتضاءل الفرص أمام أي حل يخرج بقطاع غزة من حالة الانهيار الشامل والكامل، وأصبح الخيار الوحيد المطروح الدخول في حرب سيؤدي إلى نتائج كارثية على قطاع غزة الذي لم يستطع التخلص من آثار الحرب السابقة بعد، والتي لم تستطع أن تحقق أي وعود ظهرت أثناء الحرب بحدوث انفراجة كبيرة في القطاع المحاصر، بل على العكس أصبحت الأمور أشد مأساوية وكارثية في القطاع ووصلنا إلى مرحلة من الانهيار الكامل في جميع مناحي الحياة.
وعلى ضوء كل العوامل السابقة جاءت مسيرة العودة الكبرى كطوق نجاة للجميع لتحريك الوضع الفلسطيني ومواجهة كل المخاطر المحيطة بالقضية الفلسطينية، والعمل على وضع الضمير الإنساني أمام التزاماته وواجباته وإظهار الوجه القبيح للاحتلال الإسرائيلي الذي يروج لنفسه بأنه واحة الديمقراطية وحقوق الإنسان في محيط عربي ديكتاتوري ووحشي.
لذا يجب أن تكون الحشود هائلة بمشاركة جميع الأطياف الفلسطينية، وأن يكون الحراك شعبي خالص وبصبغة فلسطينية خالصة وليس بصبغة حزبية، حتي لا يؤدي إلى نتائج عكسية غير التي نأمل أن يحققها الحراك الشعبي الفلسطيني.