توقفت الخدمات الصحية، أمس، في مجمع الشفاء الطبي (أكبر مجمع طبي في قطاع غزة)، لأول مرة منذ إنشائه عام 1964، بسبب إضراب عمال النظافة لليوم الثاني على التوالي.
وقال مدير مجمع الشفاء الطبي، مدحت عباس، خلال وقفة في المجمع أمس: "إذا لم يُحل الوضع الصحي الكارثي بغزة الآن ستزهق أرواح مئات المرضى".
وأوضح عباس: "الخدمات الصحية توقفت لأول مرة منذ إنشاء مجمع الشفاء الطبي عام 1964، لأن طواقمنا باتت لا تستطيع تقديم الخدمات الصحية وبقية المستشفيات والمراكز الصحية في قطاع غزة جراء تراكم القاذورات وعدم توفر بيئة آمنة لتقديم الخدمات الصحية للمرضى".
وأكد أنه تم تأجيل إجراء 200 عملية جراحية مجدولة "بسبب تراكم القاذورات في غرف العمليات، جراء توقف شركات النظافة عن العمل في المستشفيات والمراكز الصحية".
وصرّح بأن "بيئة العمل بالمجمع الذي يعتبر الأكبر على مستوى قطاع غزة غير آمنة لتقديم الخدمات العلاجية وأن العدوى والالتهابات ستكون الأكثر انتشارًا في ظل هذه الظروف من انتشار النفايات والمخلفات الطبية".
وأردف المسؤول الصحي: "لا تستطيع إجبار أحد من الطواقم الصحية للعمل داخل المستشفيات في ظل عدم صرف رواتب الكادر الطبي وعدم توفر بيئة آمنة للعلاج".
وذكر أن من يعمل فقط داخل مجمع الشفاء الطبي هم الطواقم الطبية داخل غرف العناية المركزة وفي قسم الحضانات "حرصًا على عدم فقدان الأرواح في ظل الوضع المعقد الذي تشهده مشافي قطاع غزة".
وقال مدحت عباس في تصريحات لصحيفة "فلسطين": إن حياة الناس باتت على المحك، إذا لم يتم حل هذه المشكلة عاجلاً، واصفًا الواقع الصحي في غزة بأنه "مأساة كبيرة".
وأضاف: "إننا دخلنا في كارثة حقيقية والقطاع الصحي ينهار(..) فعندما يتوقف مجمع الشفاء وهو أيقونة العمل الصحي في كل فلسطين، فهذه كارثة سوداء".
وحذر من احتمالية وفاة عددٍ من المرضى، نتيجة غياب النظافة في المستشفيات ونقص الأدوية والمستلزمات الطبية.
وأعلن الأطباء داخل المجمع عن إضرابهم عن العمل صباح أمس، بسبب أزمة انتشار المخلفات والنفايات الطبية داخل المرافق الصحية، والتي أدى تراكمها لعدم تناسب تقديم خدمة علاجية آمنة للمرضى داخل المستشفيات الحكومية في قطاع غزة.
وتسود حالة من الشلل التام الأقسام الجراحية في المجمع، وسط مخاوف من مخاطر انتشار البكتيريا والميكروبات المعدية في أقسام المبيت في المستشفيات في حال استمر الإضراب داخل المجمع وتراكمت المخلفات الطبية الخطيرة على المرضى وعلى بيئة العمل داخله.
ويشار إلى أن العمل لم يتوقف في مجمع الشفاء الطبي الذي يقدم الخدمات لأكثر من نصف مليون نسمة على مدار نصف قرن من الزمان، حتى في ظل الحروب التي تعرض لها القطاع وتهديدات الاحتلال بقصفه.
توقف الخدمات
إلى ذلك، حذر مدير عام المستشفيات الحكومية في قطاع غزة د. عبد اللطيف الحاج من توقف خدمات شركات النظافة في مستشفيات قطاع غزة، الأمر الذي يعيق عمل الكوادر الطبية بمستشفى الشفاء، من عمليات وفحوصات ومتابعات للمرضى وتوقف كافة العمليات الجراحية باستثناء العمليات الطارئة، مما يشكل تهديدا على حياة المرضى.
وقال الحاج لصحيفة "فلسطين": "إن استمرار أزمة شركات النظافة مع أزمة الوقود ونقص الأدوية يقود إلى تدهور كبير يقرب من حدوث انهيار للنظام الصحي بغزة، باعتبار أن المستشفيات عماد النظام الصحي، وأن 95% من المواطنين يتلقون الخدمات الصحية بالمستشفيات".
ووصف الحاج أوضاع المستشفيات بأنها مأساوية بكافة المرافق الصحية، خاصة أقسام الغسيل الكلوي، مضيفاً: "الأنابيب ملقاة على الأرض، بالإضافة لبقع الدماء والأوساخ، وهذا ينذر بكارثة خطيرة تهدد حياة المرضى والعاملين والبيئة في حال طالت الأزمة".
وأشار إلى أن إضراب عمال النظافة جاء بعد انقطاع رواتبهم للشهر الخامس بسبب عدم تلقي شركات النظافة مستحقاتها المالية من قبل الحكومة كما كان يحصل سابقا، لافتا إلى أن الشركات أنذرت الحكومة قبل شهر بإضراب جزئي تم وقفه بعد تلقيهم لمستحقات شهر.
وأكد الحاج أن خدمات شركات النظافة تشمل المستشفيات ومراكز الرعاية الأولية والمباني الإدارية لوزارة الصحة، لافتاً النظر إلى وجود أسلوب معين للتخلص من النفايات الطبية، بأن لا تبقى بأروقة المستشفى والساحات ويتم التعامل معها بسرعة لأنها محملة بمسببات الأمراض.
واستدرك: "المرضى يأتون للاستشفاء وليس للإصابة بالعدوى أو أن تحصل مضاعفات جديدة لهم بسبب تراكم النفايات"، لافتاً إلى أن وزارة الصحة بغزة قامت بدعوة المنظمات الدولية والوجهاء وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية للاطلاع على وضع المستشفيات.
وشدد الحاج على أن المستشفيات لا يمكن أن تواصل تقديم الخدمات في حال استمر توقف الشركات، منبهاً إلى وجود جهود تبذل من أجل الضغط على أصحاب القرار والحكومة حتى لا تستمر الأزمة، إلا أنه لا توجد مؤشرات للاستجابة.
وقفة احتجاجية
وفي السياق، طالب عمال شركات النظافة في المستشفيات والمرافق الصحية في قطاع غزة، بصرف رواتبهم المستحقة للشهر الخامس على التوالي؛ في ظل إضرابهم عن العمل لليوم الثاني توالياً.
جاء ذلك، خلال وقفة احتجاجية نظمها عشرات عمال النظافة، أمس، أمام مجمع الشفاء الطبي، غربي مدينة غزة.
ورفع المشاركون لافتات كتب على بعضها: "أغيثونا يا عالم"، و"نريد حقوقنا"، و"نطالب بقوت أولادنا"، و"نطالب بدفع أجورنا حتى نعيش بكرامة".
من جانبه، قال رئيس الهيئة العليا لشؤون العشائر في قطاع غزة، حسني المغنّي، إن مجمع الشفاء يتوقف تماماً عن العمل، بسبب إضراب عمال شركات النظافة في المستشفى.
وأضاف المغنّي خلال الوقفة "أن الوضع الصحي خطير جداً وفي غاية الصعوبة، ويجب التحرك لإنقاذه".
ووجه نداء استغاثة لحكومة التوافق، بضرورة إصدار تعليماتها لوزارة الصحة ممثلة بوزيرها جواد عواد، للتوجه إلى قطاع غزة، من أجل حل الأزمات التي يعاني منها القطاع الصحي.
من جهته، ذكر المتحدث باسم شركات النظافة عبد الله عميرة، أن قيمة المبالغ المتراكمة على الحكومة تبلغ 3 ملايين و750 ألف شيكل.
وذكر عميرة في تصريح لـ "فلسطين"، أن عدد العاملين في جميع شركات النظافة يبلغ 832 عاملاً، يقدمون خدماتهم في 13 مستشفى و51 مركزاً للرعاية الأولية، و 22 مرفقاً صحياً تابعاً لها.
ولفت إلى أن قيمة التعاقد الشهري (رواتب عمال النظافة) تبلغ 943 ألف شيكل، منوهاً إلى أن شركته تواصلت مع مكتب وزير الصحة عواد في غزة، ولم تتلقَ أي إجابة حتى اللحظة.