استئناف المفاوضات مع الإسرائيليين، هذا هو مضمون الزيارة التي يقوم بها السيد محمود عباس إلى الرئيس الروسي بوتين، لا أكثر من ذلك ولا أقل، فلا غاز روسي للاستيراد، ولا صناعات تكنولوجية فلسطينية للتصدير، ولا صواريخ روسية للحرب ضد إسرائيل، ولا تبادل تجاري مميز مع روسيا، زيارة بوتين تهدف إلى حض روسيا على التدخل من أجل استئناف المفاوضات مع الإسرائيليين، ضمن آلية دولية بديلًا للتفرد الأمريكي، وهذا ما أكده السيد مجدي الخالدي المستشار الدبلوماسي للرئيس، حيث قال: إن الجانب الفلسطيني سيطلب من الرئيس الروسي تشكيل آلية دولية متعددة الأطراف لرعاية عملية السلام مع الجانب الإسرائيلي.
لجوء السيد عباس إلى الرئيس الروسي لاستئناف المفاوضات لا يعني قدرة روسيا على فرض رؤيتها السياسية على الإسرائيليين أو الأمريكيين، ولا يعني رغبة روسيا في لعب هذا الدور في هذه المرحلة من التحالفات الدولية الجديدة، والتي يتحرك فيها الملقط الأمريكي وفق المصالح الإسرائيلية العليا، وهذا ما أكده الدكتور صائب عريقات، حين اعترف مطلع هذا الشهر برفض نتنياهو عقد لقاء مع الرئيس عباس برعاية بوتين! هذا الرفض المتطرف يدلل على أن الرئيس الروسي أعجز عن فرض رؤيته على نتنياهو، طالما قد عجز عن ترتيب لقاء يجمع بين نتنياهو وعباس بناء على رغبة عباس.
زيارة السيد عباس إلى بوتين تدخل في إطار إشغال الوقت، والتحرك في المساحة الزمنية الفاصلة بين التسويق لصفقة القرن، وفرض صفقة القرن بلا اعتراض أو نقاش، كما كشف عن ذلك مسؤول غربي، حين قال: إن السيد محمود عباس قدّم رؤية بديلة إلى الجانب الأميركي، من خلال الطرف الثالث، تنص على إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 على مراحل، مع تبادل أراضٍ يسمح لإسرائيل بضم الكتل الاستيطانية الرئيسة. وقال: "طلب عباس أن يتم الاتفاق على الحدود أولًا في مقابل الموافقة على إقامة دولة فلسطينية على مراحل"، إلا أن الجانب الأميركي رفض العرض الفلسطيني على اعتبار أن الخطة للتطبيق وليست للتفاوض. وأوضح: "قال الأميركيون للفلسطينيين: إما أن تأخذوا الخطة كما هي أو أن تتركوها كما هي".
ومع حسن الظن بسياسة السيد عباس، فإن اللقاء الذي يعقده مع الرئيس الروسي محاولة منه للتأثير على الصفقة من خلال عرض بدائل دولية، وهذا ما لا يرضي صاحب اليد العليا، والممسك بالأرض، والمتصرف بها بقوة الواقع، وهو العدو الإسرائيلي القادر على أن يقول لا، لكل طرح سياسي يتعارض مع مصالحة، لتبقى حركة السيد محمود عباس تعكس:
أولًا: الإفلاس السياسي القائم على التمسك بالمفاوضات طريقًا وحيدًا لمواجه المحتلين.
ثانيًا: التحايل على الوقت، وتفويت الفرصة على غضب الجماهير، من خلال الإيهام بمواصلة المساعي السلمية، وعدم انغلاق الأفق على صفقة القرن سيئة السمعة فقط.
إن ما ينفع الفلسطينيين في هذه المرحلة هو فرض وقائع جديدة على الأرض، تغيير الواقع هو القادر على تغيير المعادلة لصالح تشكيل آلية دولية لرعاية المفاوضات، ودون التغيير الجذري على أرض الواقع، ستظل الكلمة العليا في كل ما يتعلق بآلية استئناف المفاوضات في يد العدو الإسرائيلي الذي يمتلك القوة والنفوذ والتأثير على الأرض.