"الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها" هكذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وإننا ونحن نعيش هذا الظرف العصيب الذي نعيشه أحوج ما نكون إلى الحكمة، ومن الحكمة اليوم أن نرجع إلى الله تعالى، إذ لا نجاة لنا إلا ذلك، لا بأس أن نكون قد فرطنا في جنب الله تعالى، أو نكون قد اعتقدنا أن غيره عز وجل قد يهيئ لنا مخرجاً مما نحن فيه من هذه الكروب المتلاحقة، ولا بأس أن تكون همتنا في التوبة والاستغفار قد فترت، لا بأس بذلك كله، إذا عدنا إلى الله تعالى مرة وأخرى، وعرفنا أنه هو وحده له حق العبادة، والطوع، والخضوع.
وعلى ذلك فإن ما نشاهده اليوم من حملات الاستغفار المكثفة على مواقع التواصل الاجتماعي، إنما هي دليل واضح على أننا قد عدنا مرة أخرى إلى الجادة الصواب، وترسخ فينا الإيمان بالله تعالى، وأنه لا ملجأ من قدره إلا إليه، وهذا الأمر هو جزء من عقيدة المسلمين، قد تقرر في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم: فقد قال الله تعالى: "قل لن يصيبنا إلا ما كتب اللهم لنا" وقوله تعالى: "مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" وقوله: "مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ"، وكذلك النعمة هي من الله تعالى حيث يقول: "وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ"، وإذا كان الأمر كذلك فإن العودة إلى الله تعالى والركون إليه، تقتضي بالفعل أن نستغفر الله تعالى، ونبرأ إليه من كل ذنوبنا ومعاصينا، حتى إذا ما رفعنا أكفنا إلى السماء ندعوه، ليرفع عنا ما نزل من شرّ، نكون قد فعلنا ذلك وقد تخففنا من ذوبنا وآثامنا، حيث الدعاء لا يُستجاب إلا ممن طهر نفسه من من الذنوب والمعاصي، وعلينا أن نستحضر دائماً وصية الرسول الكريم لسعد بن أبي وقاص حيث قال له: "يا سعد أطب مطعمك تُستَجب دعوتك"
والاستغفار طريق من طرق تخفف الإنسان من ذنوبه ومعاصيه، يقول الله تعالى: "وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ"، إذاً لا أحد يغفر الذنوب إلا الله، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم وقد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر كان يستغفر الله تعالى في اليوم مائة مرة.
والاستغفار هو عبادة واجبة على كل مسلم، إذ لا يخلو إنسان من تقصير في جنب الله تعالى، وقد ورد الأمر بالاستغفار في آيات كثيرة في كتاب الله تعالى: منها قوله عز وجل: "ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" وقوله: "وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ".
ويجدر بنا أن نبيّن أن معصية فرد قد تؤثر في المجتمع كله، ومن عصى ولم يتب من ذبنه، فيُصاب المجتمع كله بصبب هذا الذنب، يكون قد حمل أوزار المجتمع كله، فقد ورد في الأثر أن سيدنا موسى عليه السلام ذهب يستسقى مع قومه، ولما لم يأته المطر، جاءه جبريل قائلاً أن في قومك قاطع للرحم، لذا لم يستجب لكم، فنادى موسى عليه السلام في قومه قائلاً من فيكم قاطع لرحمه، فقام رجل من بني إسرائيل قال أنا، قال اذهب واصطلح مع أرحامك، فلما فعل وعاد إلى موسى، استسقوا من جديد فأمطرت السماء.
وحتى يثمر الاستغفار، ومن أجل أن يستجيب الله لنا، فلا بد من أن لا تكون هذه الحملات مجرد استجابة روتينية للدعاة له على مواقع التواصل الاجتماعي، أو مجرد (موضة)، ثم يتناساها الناس بعد ذلك، وكذلك لا ينبغي أن يكون الاستغفار صادر من لسان المستغفر فقط؛ بل لا بد أن يكون الاستغفار صادراً من القلب، مع استحضار الذنوب، والتقصير في جنب الله تعالى، بالإضافة إلى ذلك حسن الظن بالله تعالى، الذي يجب أن يصحب هذا الاستغفار مع الإخلاص في النية، حيث الاستغفار عبادة كما بينت من قبل، وأخيراً متابعة هذه العبادة، وعدم الملل منهاه، وهنا أعيد ما ذكرته عن النبي صلى الله عليه وسلم، من قوله: "إني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة"، فإذا المعصوم عليه الصلاة والسلام يستغفر ربه في اليوم مائة مرة، فكم يجب علينا نحن أن نستغفره سبحانه وتعالى.