تقرع حكومة نتنياهو، بعسكرييها وسياسييها طبول الحرب تجاه لبنان، ولا تتوانى عن استغلال أي فرصة أو مناسبة أو ذريعة للترويج باقتراب هذه الحرب واستثمار الانشقاقات السياسية الداخلية بين الترويكا الحاكمة، والترويج بأن الحرب الإسرائيلية المقبلة باتت على الأبواب.
يعكس انضمام رئيس أركان جيش الاحتلال، الجنرال غادي أيزنكوت، إلى التهديدات التي أطلقها منذ مطلع الأسبوع، كل من رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزير الحرب، أفيغدور ليبرمان، ضد "حزب الله" ولبنان عموماً، توافقاً نادر الحصول بين المؤسسة العسكرية والمستوى السياسي لجهة شن حرب جديدة على لبنان، في حال فشلت "الجهود" والخطوات الإسرائيلية لوقف مساعي إيران، وفق الادعاءات الإسرائيلية، لتحويل لبنان إلى "قاعدة كبيرة لإنتاج الصواريخ"، ومواصلة "حزب الله" بناء قوته العسكرية.
قد يكون ملف النفط والغاز، الذي تبدأ بيروت قريباً التنقيب عنه في المياه اللبنانية وتدعي حكومة الاحتلال أنها مشتركة مع الحدود الفلسطينية البحرية المحتلة، حجة تضاف إلى إيران ونفوذها في لبنان، لاستفزاز إسرائيلي مثلما توحي به تصريحات ليبرمان، علماً أن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله سبق له أن لوح بأن أي اعتداء إسرائيلي على ثروة لبنان النفطية (المفترضة) سيكون مادة للرد من قبل الحزب.
يقول ليبرمان إن إعطاء لبنان حق التنقيب في حقل بحري للغاز في المياه الإقليمية (البلوك رقم 9 جنوبي المياه اللبنانية) "أمر استفزازي جداً"، ويحث الشركات العالمية على عدم تقديم عروض للتنقيب، مدعياً أن هذا الجزء من المياه "ملك لنا بكل المقاييس... وهذا يمثل تحدياً سافراً وسلوكاً استفزازياً هنا". كلام سرعان ما رد عليه الرئيس اللبناني ميشال عون، واصفاً إياه بأنه "تهديد للبنان ولحقه في ممارسة سيادته على مياهه الإقليمية"، وهو ما كرره رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل.
إشارة ليبرمان عن المياه الإقليمية اللبنانية، سبقتها تصريحات تصعيدية مفادها أنه "إذا اندلعت الحرب مجدداً مع لبنان، فإن هذا البلد سيدفع ثمناً كاملاً" لدعم إيران. ورفع ليبرمان من سقف تهديداته قائلاً، في خطاب له أمام مركز أبحاث الأمن القومي، إن "الحرب المقبلة، وفقاً لما شاهدناه في المنطقة، لن تكون قادرة على تحقيق أهدافها من دون مناورات برية واجتياح بري للأراضي اللبنانية، لأنه لا يمكن تحقيق ذلك من دون أقدام على الأرض".
ويزعم ليبرمان أن لبنان سيكون بالكامل هدفاً عادلاً في أي حرب مستقبلية، والجيش اللبناني سيُستهدف، وإذا أُجبر أي مواطن من تل أبيب على الاحتماء في ملاجئ، فستكون بيروت عرضة لذلك أيضاً". وخلال حوار أجراه معه رئيس مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، عاموس يادلين، ادعى ليبرمان أنه "يمكن تفادي المواجهة العسكرية من خلال التصميم والردع واستخدام كافة العوامل الدولية للضغط على إيران، وهو ما يعرفه الجميع اليوم في واشنطن وموسكو".
وكان الجنرال أيزنكوت وجّه هو الآخر تحذيرات لـ"حزب الله" مما سماه بتداعيات بناء الحزب لقوته العسكرية وتزوده بصواريخ دقيقة. وادعى أن "حزب الله يخرق قرار مجلس الأمن الدولي، ويحافظ على تواجد عسكري في المنطقة (جنوب لبنان) ويتزود بمنظومات قتالية وأسلحة لتعزيز قوته القتالية، وأن الجيش الإسرائيلي يعمل لمواجهة هذه التهديدات ليل نهار لضمان جاهزيته القتالية وقوة الردع. سنقوم بكل ما يلزم للمحافظة على الحدود الشمالية لإسرائيل آمنة وهادئة".
التصعيد الإعلامي من قبل جيش الاحتلال الذي بلغ ذروته مطلع الأسبوع، عبر المتحدث باسمه، الجنرال رونين ملينس، "مخاطبة" اللبنانيين مباشرة من خلال نشره مقالاً بالعربية للترويج فيها لمقولات الاحتلال بأن إيران و"حزب الله" يعرّضان لبنان للخطر من خلال السعي الحثيث لإقامة مصانع لإنتاج الصواريخ على الأرض اللبنانية، دفع بمحللين في الصحافة الإسرائيلية إلى القول إن حكومة نتنياهو تُعد الرأي العام لحرب "اختيارية جديدة" سيكون على الحكومة شنّها بعد سلسلة التصريحات والتهديدات لـ"حزب الله" وإيران، وإلا ستضطر إلى جر أذيال الخيبة وضرب قوة الردع كلياً في حال لم تنفذ تهديداتها، وفق ما ذهب إليه محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان.
بحسب فيشمان، فإن رئيس الحكومة الإسرائيلية يسعى لتمهيد الرأي العام الدولي لعدوان أو عمليات إسرائيلية في لبنان، بينما يتولى ليبرمان لتمهيد الرأي العام الإسرائيلي لحرب كهذه. بينما خصصت "هآرتس" افتتاحيتها للحديث عن حرب اختيارية تشنّها "إسرائيل" ضد لبنان، خلافاً "لحرب تُفرض على "إسرائيل"، أو حرب استباقية لا مفر منها".
يبدو أن دوائر صنع القرار في كيان الاحتلال باتت ترى أنه بالإمكان إغفال هذه المحاذير، والاستعداد لشن عمليات حتى لو أدى ذلك إلى مواجهة عسكرية شاملة مع "حزب الله". وهو تطور لا يمكن عزله عن التطورات الإقليمية، خصوصاً في ظل تعزيز التنسيق العسكري بين "إسرائيل" وروسيا، وهو أمر عكسه لقاء نتنياهو الأخير، مع فلاديمير بوتين، إذ اختار نتنياهو موسكو ليطلق لأول مرة تصريحاته بأن "إسرائيل" لن تتردد إذا لزم الأمر في العمل في لبنان لوقف نشاط "حزب الله" في بناء قوته العسكرية وتزوده بالأسلحة المتطورة الكاسرة للتوازن، وعدم الاكتفاء بضرب قوافل الأسلحة المعدّة للحزب من داخل الأراضي السورية.
نتائج ومعطيات مؤشر الأمن القومي أفادت لأول مرة منذ الحرب الثانية على لبنان في يوليو/تموز 2006، بأن 66 في المائة من الإسرائيليين يؤيدون شن عمليات ضد "حزب الله" حتى لو كان ثمن ذلك اندلاع حرب شاملة في لبنان. كما أن 85 في المائة من الإسرائيليين الذين شملهم استطلاع المؤشر اعتبروا أن الوجود الإيراني في سوريا، يشكل تهديداً خطيراً لإسرائيل.
ويبدو أن كيان الاحتلال يحاول الاستفادة أيضاً من الأوضاع الراهنة في سوريا، واشتداد التنافس بين روسيا وإيران هناك، لجهة ضرب قوة "حزب الله"، من دون أن تخشى رداً روسياً معارضاً، بل ربما تفاهم مع روسيا التي تسعى وفق التقديرات الإسرائيلية، إلى محاولة تقليص النفوذ الإيراني مستقبلاً، وبالتالي فإن ضرب "حزب الله" باعتباره ذراعاً لإيران يصب في خدمة المصالح الروسية الإقليمية.
فهل سنشهد منتصف العام صيفاً ساخناً بعد اقتراب إغلاق الملف السوري وتحديد الحصص الإقليمية والدولية من الكعكة السورية، بما يعنيه ذلك من ضرورة تصفية القوى العسكرية الموجودة حالياً في سوريا، وتقليص نفوذها إلى الحد الأقصى؟