خطاب صهيوني على يمين نتنياهو ونفتالي بينيت, بهذا يمكن وصف خطاب نائب الرئيس الأميركي بنس في الكنيست! بل في الحقيقة تجاوز مضمون خطابه أطروحات الأحزاب الصهيونية المتطرفة, ليثبت بينس أنه أكثر صهيونية من هرتزل وجابوتنسكي وبن جوريون وبيجين. نعم, إنه الخطاب الأكثر صهيونية الذي ألقي في الكنيست من قبل سياسي أجنبي حتى الآن, حيث تبنى الرواية الصهيونية دون تحفظ, إلى جانب اقتراحه دعما أميركيا غير مشروط لأي قرار تتخذه (إسرائيل). الخطاب يعتبر في نظر اليهود و”الصهيو مسيحيين” بمثابة تحقيق حلم وتقريب لموعد قرع جرس المسيح ونبوءة آخر الزمان! الخطاب هو صفعة أميركية جديدة للعرب والمسلمين وللفلسطينيين بخاصة, تضاف إلى صفعة الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الكيان الصهيوني, التي كان ترامب قد وجهها إليهم.
بنس وبّخ الفلسطينيين لأنهم غادروا المفاوضات, وعرض قراءة صهيونية كاملة دون نقصان حول الحقوق الدينية والتاريخية لليهود في “أرض إسرائيل”, بشكل يتجاهل كلية الوجود التاريخي للفلسطينيين, كما أنه عبّر عن تماثله الكامل مع “الثمن المخيف” الذي اضطرت إسرائيل لدفعه في الحروب, دون أي ذكر للنكبة عام1948, والمذابح التي اقترفتها العصابات الإرهابية الصهيونية, وإسرائيل فيما بعد إنشائها القسري, وتهجيرها القسري لمليون فلسطيني من أراضيهم, كما لم يتطرق إلى الاحتلال القائم منذ نصف قرن والقتل والمعاناة الكبيرة من مذابح واغتيال واعتقال وسلب ونهب للأراضي, التي يمارسها هذا الاحتلال الفاشي لشعبنا الفلسطيني بشكل يومي. بنس هو حقيقةً, سفير إسرائيل في الإدارة الأميركية في واشنطن, تماما مثل السفير الصهيوني الآخر ديفيد فريدمان, الذي جلس على شرفة الضيوف في الكنيست, ليشاهد بطله الصهيو مسيحاني, في خضم احتفال ائتلاف الأميركيين المسيحانيين الصهاينة المتدينين مع المستوطنين في تنانيا بزيارة بنس, وهؤلاء كلهم يرفضون من الأساس أي وجود للشعب الفلسطيني.
خطاب بنس في الكنيست, كان أقرب إلى خطبة دينية حماسية منها إلى خطاب سياسي لزعيم يتوخى عرض برنامج سياسي للسلام في الشرق الأوسط. بنس هو “مسيحي متشدد”, كما هو معروف, قسّم العالم في خطابه إلى خير وشر, أصدقاء وأعداء, جنة ونار, أبناء إسرائيل في نظره هم “شعب الله المختار الذي وعده الله بهذه الأرض, والذي تتوجب عودته إلى أرضه لتقريب اليوم الآخر وعودة المسيح” حسب المفهوم المسيحاني. قال بنس أيضًا في خطابه: “نحن نؤيد إسرائيل لأننا نؤمن بالخير ونفضله على الشر” واستشهد “بتعويذات توراتية وبقصة إنقاذ الشعب اليهودي, حيث شبّه دولة إسرائيل بمملكة داود, وتمنى السلام لإسحاق وإسماعيل”, واستطرد: ”إن الأشرار يتبدلون, فهم تارة “الإرهاب الإسلامي الراديكالي” وطورا النظام الإيراني, مقابل الإسرائيليين الذين يستحقون الثناء لأنهم يمدون أياديهم إلى الفلسطينيين”.
بالمعنى الفعلي, فإن زيارة بنس لإسرائيل وحرص الأخيرة على أن يلقي خطابًا في الكنيست, هي تحية وتقدير ورد جميل صهيوني للجهد الذي بذله في إخراج قرار ترامب, الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل, وأعلن أن نقل السفارة الأميركية إليها سيتم قبل نهاية 2019، لقد كتب موقع “واللا” الإخباري الصهيوني, أن بنس الذي يعتبر من الأطراف الأكثر تأييدا لإسرائيل في الإدارة الأميركية, هو من مهندسي قرار ترامب بأن القدس هي عاصمة إسرائيل, والذي اتخذ رغم معارضة وزير الدفاع جيمس ماتيس, ووزير الخارجية ريكس تليرسون, الذي لا يحاول إخفاء كون القرار غير موضوعي فيما يتعلق بالتسوية بين إسرائيل والفلسطينيين. بنس يقول عن نفسه: إنه يقرأ التوراة يوميا ويقتبس مقتطفات منها في خطاباته. ويصرح “بأن الولايات المتحدة يجب ألا تكون وسيطا محايدا في النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين, بل وسيط حقيقي”, ويعني بذلك, أن تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل. بنس كان من بين المبادرين للقانون الذي سنه الكونجرس حول الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل عام 2011. كذلك سعى خلال فترة حكم بوش, لتقليص الدعم الأميركي للفلسطينيين, مدعيا أن تلك الأموال من شأنها أن تجد طريقها إلى “منظمات إرهابية” على غرار “حماس”, وأيد بناء الجدار العازل خلال الانتفاضة الثانية، والتقى رئيس الحكومة آنذاك أرييل شارون, خلال إحدى زياراته لإسرائيل.
لا ولم يخفِ بنس دعمه الكبير لبنيامين نتنياهو, حيث قال ردا على سؤال حول تأييده لإعادة انتخاب نتنياهو, إنه مؤيد متحمس لنتنياهو لكنه لا يمتلك حق التصويت في الانتخابات. للعلم في مؤتمر دافوس الأخير, وبعد لقائه بنتنياهو, اعتبر الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن الفلسطينيين ” قللوا من احترام” الولايات المتحدة, مؤكدا انه سيعلق مساعدات بمئات ملايين الدولارات إليهم, حتى يوافقوا على العودة إلى محادثات سلام برعاية واشنطن.