الصديق جون كيري هي أحدث مسرحية هزلية تعرض على الساحة السياسية الفلسطينية، ومع ذلك لم نسمع أي تعليق أو نقد رسمي لهذه المسرحية من القيادة الفلسطينية، رغم أن أول فصول المسرحية السمجة تبدأ برفع الستارة عن طلب جون كيري وزير الخارجية الأمريكية من السيد محمود عباس أن يصمد في وجه ضغوط الرئيس ترامب، وأن يكون قويًا.
فأي مسخرة سياسية هذه التي يجري تسويقها، وكأن جون كيري لم يكن قبل عام على رأس السياسة الأمريكية، وزار رام الله عشرات المرات، وانتهت فترة ولايته دون أن يوقف بناء مستوطنة يهودية واحدة، ودون أن يحرر أسيرًا فلسطينيًا واحدًا، ودون أن يوقف حربًا عدوانية على غزة، ودون أن يقيم دولة فلسطينية ولو قزمًا، ودون أن يضغط على الحبيبة إسرائيل كي ترفع حاجزًا من مئات الحواجز التي تمزق أرض الضفة الغربية إربًا يسهل ضمها وابتلاعها.
اليهودي جون كيري، مهندس السياسية الأمريكية لعدة سنوات يطالب من محمود عباس أن يبقى قويا معنويا لكسب الوقت، وألا ينكسر أو يخضع لمطالب الرئيس ترامب"، ويدعي أن "ترامب لن يبقى في منصبه مدة طويلة، وأن هناك احتمالات جيدة ألا يكون في البيت الأبيض خلال أقل من عام".
لنفترض صحة حديث كيري، ومصداقيته في النصيحة، وأن ترامب سيغادر البيت الأبيض أسود الوجه، فماذا سيكسب الفلسطينيون من ذلك، وقد خسروا الزمن الذي وظفته إسرائيل للسيطرة على المزيد من الأرض؟
وما سيربح الفلسطينيون لو استمعوا لنصائح كيري، التي تقول: حان الوقت كي يحدد الفلسطينيون أسس السلام الخاصة بهم، ويعرضوا خطة إيجابية، وكأن التوسل الفلسطيني لأكثر من عشرين سنة للسلام لم يعد كافيًا، والمطلوب هو المزيد من الوقت الضائع خلف فرص السلام الضائعة خلف غطاء الرأس اليهودي.
الفصل قبل الأخير من المسرحية يتمثل باستخدام كيري لعلاقاته وقدراته من أجل تجنيد الدعم لهذه الخطة، ولكن بشرط واحد، وهو: عدم مهاجمة الولايات المتحدة أو الإدارة الأميركية، وإنما التركيز على الرئيس نفسه باعتبار أنه المسؤول الوحيد والمباشر عن الوضع.
أي استخفاف بعذاب الشعب الفلسطيني هذا؟ وأي تلاعب بقضيته المقدسة التي فرضت على الملايين من مهجريها أن يعيشوا في المنافي؟ وأي أمريكا هذه التي تبيع نفسها كل مساء لليهود، ولا تغفل عينها قبل أن تقدم المليارات للغاصبين؟ أي أمريكا هذه التي يدعي كيري أن معظم مؤسسات السلطة الأميركية، وكذلك الاستخبارات الاميركية، غير راضين عن أداء ترامب وعن الطريق التي يقود بها الولايات المتحدة.
كيري لدعم الغزاة الغاصبين ما زال وزيرًا لخارجية الوهم التفاوضي، ولما يزل يفتح الأبواب لمزيد من الأمل المخادع، بقدرة أمريكا، ومكانتها، ونزاهتها، وحيادها في قضية تتبرع فيها سنويًا بأربعة مليارات دولار للصناعات الحربية الإسرائيلية.