فلسطين أون لاين

​صانعة الرجال

يعتبر زمن الصبا أجمل وأهم وقت لطبع عادات الفضائل, وغرس بذور الأخلاق وتوضيح النواهي من القول والفعل والفكر، وعلى المربي أن يعوّد ابنه على كل جميل من القول والفعل والآداب بشكل عام.

فالسنوات السبع الأولى من حياة الإنسان هي حياة التكوين وسن القابلية لامتصاص السلوكيات والأفكار. والطفل في هذه السنوات كالصفحة البيضاء يكتب فيها الكاتب ما يشاء. وتعد الأم هي الملازم الأول والأطول للطفل في هذه السنوات, ولهذا حرصت جميع الحضارات في بناء أبنائها على حسن اختيار الأم واهتمت بنسبها.

وإن بحثنا عن سبب ضياع أجيال بأكملها كان السبب ضياع الأم وجهلها للدور المقدس المنوط بها في بناء المجتمع السليم.

إن فسدت المرأة فسد المجتمع

إذا أردت أن تعرف كيف يفكر الرجل, وما هي مصادر تعليمه ومعرفته, اجلس إلى أمه, راقبها بحذر وشغف, فهي خزانة الأسرار, وأول مدرسة يتعلم فيها ومنها.

يذكر العلماء أن الاستعمار الفرنسي لما دخل الجزائر, وجد مقاومة شديدة من الشعب الجزائري, واحتاروا في أمرهم واهتدوا إلى الاستعانة بأحد أساتذة الاجتماع, الذي أوصى بعد دراسته للمجتمع الجزائري بإفساد المرأة الجزائرية التي تعلم أولادها حب الإسلام والجهاد في سبيل الله.

واقترح أن يحرفوا تفكير المرأة وأن يخلقوا التناقض بينها وبين الرجل, وأن يشغلوها بتحرير نفسها من قيود أوجدوها لها يوم حرفوها عن طريقها الصحيح، وأضاعوا بوصلتها في ميدان المساواة الوهمية بينها وبين الرجل، فنسيت دورها الحقيقي المكلفة به، وانبرت تركض خلف الفكر الغربي الذي تسلل لها رويدا رويدا حتى استعبدها تماماً.

دور المرأة في بناء الأسرة

إن كل كلمة تلقيها المرأة في بيتها لها دوي كبير على نفوس أولادها بل ونفس زوجها, وكل سلوك تقوم به في أسرتها له تأثير قوي على سلوك أسرتها وحتى زوجها.

وعلى المجتمع ألا يستهين بدور المرأة في بناء الأسرة أو هدمها. ولقد أكد الإسلام على أهمية دور المرأة في بناء الأسرة كثيرا، وعلة ذلك أن المرأة إذا كانت تحب أسرتها وتهتم برعاية وتربية الأبناء فإن أجيال ذلك المجتمع سيكونون سالمين راشدين.

تعد المرأة هي العنصر الأساسي لتشكيل الأسرة وليس الرجل, فبدون الرجل تستمر الحياة, حيث بإمكان المرأة في غياب الزوج حفظ الأسرة إن كانت عاقلة ومدبرة, لكن إذا افتقدت الأسرة للأم فلا يمكن للرجل حفظ الأسرة.

لهذا فإن للمرأة الدور الأبرز في صناعة الإنسان وعلى المجتمع الاهتمام ببناء هذه المرأة وتعليمها وتوعيتها لكي تتمكن من صناعة إنسان سوي منتج وصالح.

حسن اختيار الأم حق للأبناء

مثلما جعل الله للآباء حقوق على الأبناء فإن للأبناء حقوق على الآباء, وأحد هذه الحقوق هو حسن اختيار الأم، وهو أهم حق من حقوق الأبناء على أبيهم. قال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه في حق الولد على أبيه: من حق الولد على أبيه أن ينتقي أمه، وأن يحسن اسمه، وأن يعلمه القرآن.

ونهر رجل جاء يشكو عقوق ابنه عندما علم أنه لم يعطه حقه في اختيار الأم ولا الاسم ولم يعلمه من الكتاب شيئا، وقال له: جئت تشكو عقوق ابنك؟ لقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك.

كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بحسن اختيار الزوجة عندما قال: "تخيروا لنطفكم, وانكحوا الأكفاء, وانكحوا إليهم"، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الرجل من صنع المرأة

إن المرأة هي التي تربي الرجل طفلاً وتصنع تفكيره, وهي التي تغير زوجها إن امتلكت الذكاء الأنثوي, وهي التي تجبر الأب على التغيير كابنة، فيسعى ويكدح ليكفلها ويحميها, أي أنها بكل حالاتها كأم أو ابنة أو زوجة لها التأثير العظيم على فكر وسلوك الرجل, ويؤكد هذه الحقيقة الفيلسوف وعالم الاجتماع جان جاك روسو حيث يقول: "الرجل من صنع المرأة، فإذا أردتم رجالا عظماء فعليكم بالمرأة، تعلمونها ما هي عظمة النفس وما هي الفضيلة".