كانت غالبية التقديرات للنمو الاقتصادي الفلسطيني لعام 2017 قد خلصت إلى حدوث نمو بطيء في حدود (3% - 4%) على مدار العام المذكور، وعليه يعتبر هذا المعدل غير كاف لتحقيق أي إضافة نوعية أو تحسن ملموس لمستوى معيشة الفرد، كما لا يساهم في إيجاد فرص عمل كبيرة تخفف من وطأة أزمة البطالة المتزايدة ، التي وصلت ذروتها خلال العام المذكور.
وجاءت الأحداث على أرض الواقع لتؤكد صحة التنبؤات السابقة لمسار الحياة الاقتصادية خلال العام المذكور، فوفقا لما جرى إعلانه من رئاسة الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فان نمو الاقتصاد الفلسطيني خلال عام 2017 قد حقق معدلا منخفضا قدره 3.2%، وهذا النمو ساهم في زيادة محدودة لنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بلغت 0.1% فقط، وبذلك فإن هذه النتائج أبقت مستوى المعيشة على حاله دون زيادة وأبقت متوسط دخول الأفراد أيضا دون زيادة محسوسة، ويعود ذلك إلى أن القيود على حركة النشاط الاقتصادي لا تزال قائمة كما هو الحال في مئات الحواجز الثابتة والمتنقلة بين أنحاء الضفة الغربية، والحصار المفروض على قطاع غزة، والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة.
وقد كان أبرز القطاعات التي حققت نموا يفوق المعدل العام المذكور هو قطاع الإنشاءات الذي بلغ نموه 4.4% مع زيادة في عدد العاملين بنسبة 18% والذي يتضمن المباني السكنية والمرافق العامة والبنية التحتية، باعتبار أن هذا القطاع أقل عرضة للمخاطر من غيره ويلي ذلك قطاع الصناعة الذي حقق نموا بلغ 4.2% مع زيادة في عدد العاملين فيه بنسبة 7%.
إلا أن المؤشر الأكبر أهمية في الدلالات على تحسن الاقتصاد الفلسطيني من عدمه هو معدلات البطالة لترتفع على مستوى الأراضي الفلسطينية من 27.3% عام 2016 إلى 28.5% عام 2017 ومعنى ذلك حدوث ارتفاع في عدد المتعطلين الباحثين عن العمل من مختلف الأعمار من الذكور والإناث ومن ثم زيادة معدلات الفقر وتدني مستويات المعيشة.
في الوقت نفسه فإن مؤشر سلطة النقد لنتائج دورة الأعمال لشهر كانون الأول / ديسمبر2017 حقق انخفاضا بواقع 0.1 نقطة ليبلغ نحو -5.7 على مستوى الأراضي الفلسطينية، وقد ساهم في هذا التراجع بقاء المؤشر الكلي لدورة الأعمال في قطاع غزة يراوح مكانه في المنطقة السالبة على امتداد السنوات الأربع السابقة، وهو ما يعكس استمرارا للأوضاع الاقتصادية المتردية في القطاع مع بقاء مستوى التفاؤل بشأن المستقبل أملا بعيد المنال.
إن تراجع تطبيق خطوات المصالحة ليس غائبا تماما عن المشهد المتمثل في استمرار حالة الركود الاقتصادي خاصة في قطاع غزة لأن كافة المستثمرين ورجال الأعمال والمؤسسات الإنتاجية يعيشون حالة من الترقب والحذر الشديد تجاه أي قرار إنتاجي يمكن اتخاذه في ظل الحالة الضبابية الراهنة، وفيما يستجد خلال الأيام والأسابيع والأشهر القادمة، إضافة لحالة عدم اليقين تجاه أي قضية سياسية أو اقتصادية، عسكرية كانت أو مدنية، محلية كانت أو خارجية. لكن رغم هذا فلا يجب أن يظل المجتمع حائرا وفي حالة انتظار لما يملى عليه من الآخرين، بل يجب أن يكون كل طرف فلسطيني على المستوى الخاص أو العام وعلى المستوى الفردي أو الجماعي قادرا على صنع الحدث بعيدا عن ردود الفعل وبأقصى جهد ممكن تحاشيا لمزيد من التدهور في الأوضاع الإنسانية والمعيشية التي قد تفضي إلى كوارث أو انفجارات لا يحمد عقباها، خاصة وأن هناك حاجة يومية لكل فرد منا ذكرا أو أنثى، صغيرا أو كبيرا للوفاء بأدنى متطلبات الحياة الكريمة من الغذاء والكساء والدواء وهي حاجات ضرورية مرتبطة باستمرارية هذه الحياة لأن الحاجات المشار إليها لا تقبل التأخير في الوفاء بها، ومن ثم فإن الجهد المتميز و العمل الدؤوب يجعلنا قادرين على تجاوز ما نعيشه من أزمات كخطوة نحو الانطلاق الى مستقبل معيشي و أمني آمن في عام 2018 و في السنوات اللاحقة.