تواصل كتائب القسام رسائلها العسكرية الموجهة لحكومة الاحتلال الإسرائيلي حول الجنود الأسرى لديها في قطاع غزة، لتشكّل حالة من الضغط تجاهها وإبراز امتلاكها لقوة الردع، وإحداث حراك في ملف الأسرى، وفق مراقبين.
وتوعدت كتائب القسام في آخر رسائلها، أمس الأول، المستوطنين القريبين من حدود قطاع غزة، بالصواريخ، في حال لم تتوقف عنجهية الاحتلال. وقالت الكتائب "إن صافرات الإنذار التي تشتكون منها ستكون موسيقا ساحرة مقارنة بما ستسمعونه إذا لم توقفوا عنجهية الحكومة".
وجاء ذلك، بعدما دوّت صافرات الإنذار في المستوطنات المحاذية لقطاع غزة، عقب إطلاق صاروخ من القطاع، تزامنًا مع احتفالات أقامها المستوطنون بذكرى ميلاد الجندي "شاؤول أرون" الأسير لدى كتائب القسام منذ عدوان 2014.
وعلّقت كتائب القسام، في مفترق "السرايا" وسط مدينة غزة، لافتة ضخمة تحمل صورة الجندي أرون، واقفًا خلف بوابة قضبان سجن حديدي، وكتب عليها "طالما أبطالنا لا يرون الحرية والنور.. فإن هذا الأسير (أرون) لن يرى الحرية أبدًا".
الردع المتبادل
ورأى الخبير في شؤون الأمن القومي، إبراهيم حبيب، أن رسائل القسام تأتي في إطار حالة "الردع النفسي المتبادل بين المقاومة الفلسطينية، والاحتلال الإسرائيلي".
وأوضح حبيب لـ"فلسطين"، أن القسام أراد إيصال رسائل مهمة للمستوطنين القريبين من قطاع غزة، أولاها: أنه لا أمان عليكم في هذه المنطقة، وثانيها: أن المقاومة تمتلك الكثير من أوراق القوة والضغط، وقادرة على طرد المستوطنين من الأراضي المحتلة القريبة من قطاع غزة.
واعتقد حبيب أن "القسام أعادت حالة الردع من جديد، وهو ما أدركته جيدًا حكومة الاحتلال".
واستبعد في الوقت ذاته، إقدام قوات الاحتلال على حرب جديدة ضد قطاع غزة، لأربعة عوامل مهمة.
وذكر العامل الأول: حرص الاحتلال على الانتهاء من بناء الجدار العازل المحيط لقطاع غزة، والعامل الثاني: محاولة الاحتلال استثمار القرار الأمريكي بشأن القدس، وعدم رغبته الدخول في مواجهات، من شأنها لفت أنظار المجتمع الدولي وإدانته.
وأشار إلى أن العامل الثالث يعود لتأجج الأوضاع في الجبهة الشمالية، واحتمالية اندلاع مواجهات في أي لحظة، فيما هناك تخوّف من إمكانية قيام تحالف مشترك بين حماس وحزب الله، يدفع إلى تغيير قواعد قرار الحرب على غزة وجنوب لبنان.
رفع التهديدات
وأيّد ذلك المختص في الشؤون الأمنية والعسكرية محمد أبو هربيد، مؤكدًا أن رسائل القسام تتمثل "برفع سقف التهديد للاحتلال"، خلافًا للبيانات والرسائل السابقة.
ورأى أبو هربيد لـ"فلسطين"، أن رسائل القسام كانت شديدة اللهجة، "في حال إقدام العدو للرد على الصواريخ (...) يمكن أن ترد القسام برد من نوع آخر".
وذكر أبو هربيد أن الرسائل العسكرية تحمل تهديدًا آخر بأنه "يجب ألّا تتغير قواعد اللعبة في المنطقة الحدودية لقطاع غزة"، إضافة إلى أنها تسعى إلى تحريك ملف الأسرى.
وأشار إلى أنه "لا يمكن فصل إطلاق الصواريخ تجاه المستوطنات عن رسالة القسام"، مؤكدا أنها أثرت على الاحتلال نفسيًا ومعنويًا.
حرب استنزاف
فيما يعتقد المحلل السياسي تيسير محيسن، أن كتائب القسام أخذت قرارًا لا رجعة عنه، "البدء بحرب استنزاف طويلة الأمد مع الاحتلال"، والتي تأخذ أشكالًا متعددة بدءًا من الدعاية والإعلام وصولًا إلى الوسائل القتالية.
ورأى محيسن في حديثه لـ"فلسطين"، أن تحذير المستوطنين في المستوطنات المحاذية لقطاع غزة، بمثابة "تسخين الأجواء، لتحريك ملف الأسرى، وتحفيز الشارع الإسرائيلي للمزيد من الضغوط على حكومته".
وقال: إن "إثارة الموضوع بالتزامن مع ذكرى ميلاد الجندي الأسير أرون، يحمل معاني عدة، تكون جزءًا من المرحلة المقبلة"، لافتًا إلى أن هذه الرسائل تجعل الاحتلال في حالة إرباك متواصل، "وربما تتصاعد في حال ارتكب الاحتلال أي حماقة تستدعي زيادة في رد الفعل بما يكافئ العمل الإجرامي الذي نفذه"، وفق قوله.
وعند سؤاله عن إمكانية فتح ملف الجنود الأسرى لإبرام صفقة تبادل، أجاب محيسن "أن الأمر مرتبط بواقع حكومة الاحتلال ومساحة الضغط التي تُمارس عليها من عائلات الجنود الأسرى".
ولم يستبعد أن يلجأ رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، لتسريع المفاوضات بشأن الأسرى، من أجل إغلاقه بشكل كامل، لافتًا في الوقت ذاته إلى ضرورة تقريب وجهات النظر بين الطرفين "حماس" والاحتلال الإسرائيلي للبدء في حوار لتدشين صفقة جديدة.