بغرض فرض "يهودية دولة الاحتلال"، بعد جعل حياة الأقلية العربية هامشية في كل مناحيها، تقدم أخيراً بمشروع هو واحد من أخطر القوانين، "قانون القومية"، عضوا الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) زئيف إلكين، من "الليكود"، وأيليت شاكيد من "البيت اليهودي".
وبذلك لم يعد مصطلح "يهودية دولة الاحتلال" مجرّد فكرة، حيث تسعى المؤسسات الإسرائيلية المختلفة إلى تنفيذ مخططاتٍ لتهويد كل مناحي الحياة داخل "الخط الأخضر" والقدس.
ففكرة يهودية دولة الاحتلال التي كانت دائماً إحدى ركائز الفكر الصهيوني، وبغض النظر عن أن درجة هذه اليهودية وبعض مضامينها كانت مثار جدل بين تيارات معينة في الحركة الصهيونية، إلا أن الزخم الكبير لهذه المقولة المتجدّدة، خصوصا بعد تولي رئيس الحكومة الحالية، بنيامين نتنياهو، الحكم في دولة الاحتلال، إنما ينطوي على أبعاد مهمة وجوهرية، وفي المقدمة منها مضامين عنصرية ضد الأقلية العربية داخل الخط الأخضر، واللاجئين الفلسطينيين في أماكنهم المختلفة، داخل فلسطين التاريخية وفي المنافي القريبة والبعيدة.
وكان "الكنيست" قد اتخذ في يوليو/ تموز 2003 قراراً بضرورة تعميق فكرة "يهودية الدولة" وتعميمها على دول العالم، ومحاولة انتزاع موقف فلسطيني مع القرار الذي قدّم مشروعه آنذاك أعضاء كتلة الليكود في "الكنيست"، وتمَّ تشريعه بعد التصويت عليه.
وقد تضمّن أيضاً أن قطاع غزة والضفة الغربية ليسا منطقتين محتلتين، لا من الناحية التاريخية، ولا من ناحية القانون الدولي، ولا بموجب الاتفاقيات التي وقعتها (إسرائيل). ودعا القرار إلى مواصلة تعزيز المستوطنات وتطويرها، وإلى التمسك بالسيادة المطلقة على القدس، بشقيها الغربي والشرقي المحتلين في 1948 و1967، والاحتفاظ كذلك بالمناطق الأمنية.
وفي محاولةٍ لتهويد ما تبقى من أراضٍ في حوزة الأقلية العربية داخل الاراضي المحتلة عام 1948، وضعت السلطات الإسرائيلية مخطّطاتٍ لتهويد منطقة الجليل والحدّ من التركز العربي فيها، عبر أسماء مختلفة، مثل ما يسمى مشروع تطوير منطقة الجليل، ومشروع نجمة داود لعام 2020. إضافة إلى ظهور مخطّطات للحدّ من التركز العربي في منطقة النقب (50% من مساحة فلسطين التاريخية)، ومنها مخطط برافر الذي يسعى إلى مصادرة 800 ألف دونم، وتجميع عرب النقب (نحو 200 ألف نسمة)، في مساحة هي أقل من 100 ألف دونم، أي على أقل من 1% من مساحة صحراء النقب. واللافت أنه خلال السنوات القليلة الماضية استصدرت الحكومات الإسرائيلية رزمة قوانين للسيطرة على مزيد من الأراضي المتبقية مع الفلسطينيين، وقوانين من شأنها تعزيز فكرة "يهودية إسرائيل"، ومن أخطرها "قانون القومية" الذي أقرّته حكومة نتنياهو أخيرا بما يتضمّنه من أبعاد ديموغرافية وجغرافية، وكذلك قانون الجنسية وقانون النكبة الذي يحظر على العرب إحياء ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني، فضلاً عن قوانين تمنع التزاوج بين أفراد منهم داخل الاراضي المحتلة عام 1948 مع الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، بغرض الحد من التواصل الديموغرافي.
ولم يكن قانون "المواطنة والولاء" الذي يفرض على الأقلية العربية الاعتراف، من خلال القسم، بـ"يهودية دولة الاحتلال" قبل الحصول على الجنسية الإسرائيلية أقلّ خطورة. وأخطار القوانين التهويدية التي تسارعت وتيرة صدورها في ظلّ حكومة نتنياهو بتداعياتها المستقبلية على وجود الأقلية العربية. وقد يكون التحدّي الأهم الذي سيواجهه الفلسطينيون في الداخل هو السياسات الإسرائيلية الرامية إلى زعزعة وجودهم في أرضهم، بغية طردهم في نهاية المطاف.
ولهذا، يتطلب الأمر الكشف عن المستور من تلك السياسات وأخطارها، بالاعتماد على خطاب فلسطيني وعربي مدروس، حيث يعتبر مجرد استمرار وجود الأقلية العربية في أرضها، عبر أشكال الدعم المختلفة، رصيداً ديموغرافياً ووطنياً له دلالة مباشرة على الهوية العربية للأرض التي قامت عليها دولة الاحتلال في 1948. وقد يكون ذلك هو الردّ الحقيقي على مخططات المؤسسة الإسرائيلية الرامية إلى ترسيخ فكرة "يهودية" الكيان، عبر تهويد المكان، سواء في القدس أو في منطقة الجليل أو المثلث أو النقب.
وعلى الرغم من السيطرة الإسرائيلية المباشرة على النسبة الكبرى من أراضي الفلسطينيين، إلا أن المحاولات الحثيثة لترسيخ فكرة "يهودية دولة الاحتلال" في الجانب الديموغرافي لم تفلح إلى حد كبير، حيث سيصبح الفلسطينيون غالبيةً في وطنهم التاريخي فلسطين بحلول عام 2020، وفق دراسات فلسطينية وإسرائيلية. ولهذا ستسعى دولة الاحتلال إلى فرض الأمر الواقع التهويدي، بقلب الميزان الديموغرافي لمصلحة تطلعاتها التهويدية.