ليست المرة الأولى التي أزور فيها القاهرة، ولكن هذه المرة كانت مختلفة، حيث كانت رقمية بامتياز، من يومي الأول اقترحت عليّ إحدى الصديقات بأن استخدام تطبيق اسمه "كريم"، لم أسمع عنه من قبل، فكنت أطلب السيارة من مكاني وتأتي إشارة على التطبيق بفترة وصول السائق واسمه ورقم هاتفه وشكل ونوع السيارة، وهذا غريب عليّ للوهلة الأولى، حتى عندما كنت احتار لأي مطعم أذهب كنت استخدم تطبيق "اطلب"، فكانت وجبة الطعام تصلني وأنا في المنزل، والدفع كان عبر الفيزا وغيرها من الوسائل، حتى وإن فكرت بغسل ملابسي كنت أجد تطبيقات مناسبة، وكانت تقييمات المستخدمين تنصح بتطبيق دون غيره، بعد ذلك أدمنت استخدام هذه التطبيقات لدرجة بحثي عنها باستمرار، وكانت الحياة أسهل وأجمل.
خطر في بالي كيف يمكن لهذا التطبيق الصغير أن يمتلك عددًا كبيرًا من هذه المركبات، فهذه تكلفة عالية على رائد الأعمال، تعمقت في الموضوع فوجدت أن هذه التطبيقات وغيرها لا تمتلك أي أصول، فأكبر موقع لحجز الفنادق في العالم booking.com لا يمتلك غرفة واحدة، وأكبر أسطول سيارات "أوبر" لا يمتلك سيارة، هذه التطبيقات هي عبارة عن وسيط يقوم على الربط بين الزبون والفندق لحجز غرفة مناسبة.
هذا العالم قائم على مبدأ الاقتصاد التشاركي، حتى يقوم بالأساس على مشاركة الأصول المادية والبشرية باستخدامها عبر تطبيقات الهاتف الذكي، ما بين مالك التطبيق، وبين صاحب الأصول، والتي قد تكون سيارات ومغاسل وفنادق وحتى أيديًا عاملة ومختصين.
في السابق، كانت هذه الأصول التي تحتاج رأس مال كبير هي العقبة الأكبر التي تقف في طريق رواد الأعمال، عندما كان يفكر كيف يجلب رأس المال الكبير لشراء سيارات مثلاً، اليوم في ظل الاقتصاد التشاركي أصبحت الأمور أسهل، وأصبح بالإمكان التفكير بإطلاق تطبيق لحجز مواعيد مع أطباء مثلا بدون امتلاك أي مكان، وهكذا.
حتى باتت دول العالم تفكر أكثر في الاستثمار في هذا الاقتصاد، من خلال تدشين صناديق استثمار جريء، وتبحث عن مشاريع الذكاء الاصطناعي والإنترنت وحلول التجارة الإلكترونية والتكنولوجيا المالية التي تعتمد على الاقتصاد التشاركي، واليوم تعتمد الصين بشكل كبير على هذا الاقتصاد حيث بلغ حجم المعاملات حوالي 500 مليار دولار خلال عام 2016.
هذه الثورة القادمة، علينا، عربيًا، الدخول فيها ودعم الاستثمار في المشاريع الناشئة التي تصبح بوابتنا إلى العالم، حيث بلغت أرباح هذه التطبيقات حوالي 1.7 مليار دولار من دول الخليج لوحدها، كيف لو كنا ملاك هذه التقنية، ورواد هذا الاقتصاد، ستكون من البدائل التي يجب أن تعتمد عليها البلدان للوصول إلى اقتصاد المعرفة.