استوعبت حماس صدمة استنكاف الموظفين بقرار رئاسي نتيجة أحداث 2007، فاجتهدت في سد الشواغر الوظيفية في كل المؤسسات ومع الوقت نجحت في إدارة المؤسسات من خلال طواقم مهنية وفنية أبدعت في كل المجالات، وما إن استقرت الأمور حتى فتحت الحكومة في غزة باب التوظيف في مختلف المؤسسات، فوصل عدد الموظفين إلى قرابة خمسين ألف موظف.
ومع بدء جولات المصالحة الفلسطينية اعتبرت قضية الموظفين قضية خلافية، ورغم أنه تم الاتفاق على الأمان الوظيفي للجميع، وأنه لا بأس من إخضاع رتب الموظفين للتقييم المهني من خلال لجنة فنية وإدارية تنتهي من عملها مطلع فبراير 2018، مع تعهد حكومة التوافق بدفع مبلغ مالي بما لا يقل عما يتقاضاه الموظف حالياً، إلا أن حركة فتح تصر على عدم استيعابهم، فتارة تدعي أنهم غير شرعيين، وتارة بالعجز المالي، وتارة تدعي أنه يمكن العمل على توفير مشاريع خاصة لهم، أو الاستعانة ببعضهم حين الحاجة بعد عودة الموظفين القدامى، بينما حماس تصر على دمجهم ضمن هيكلية السلطة حسب الاتفاق.
وبنظرة موضوعية في الأعذار التي تسوقها فتح، نجد عدم الجدية للمضي قدماً في حل هذه المسألة، فالتذرع بأن كل الموظفين الذين تعينوا في عهد حماس هم حمساويون، هو تذرع غير منطقي، لأن منهم من حركة فتح رفضوا الاستنكاف وأصروا على خدمة أبناء شعبهم، ومنهم من أحزاب سياسية أخرى، ومنهم من لا ينتمي لأي لونٍ سياسي، ثم إن القول إن كل الموظفين حمساويون، يدفعنا للقول إن كل من توظف في عهد فتح هو فتحاوي، ولو افترضنا جدلاً أنهم حمساويون فقط ، أليس أبناء حماس هم من أبناء الشعب الفلسطيني خدموا غزة وأهلها في أحلك الظروف؟
ثم إن التذرع بوجود أزمة مالية تمنع استيعابهم هو غير منطقي أيضاً بسبب تعهد دول لتمويل خزينة السلطة وتوفير رواتب للجميع، ومنها سويسرا حسب ما أكدته الورقة السويسرية، بل إن القول الفصل في عدم الرغبة في استيعاب الموظفين إنها مسألة سياسية بحتة ناتجة عن عقلية الإقصاء والتهميش التي تمارسها السلطة تجاه غزة.
إن الموظفين الذين يُنظر لهم بإهانة واستعلاء ، قاموا بدورهم على أكمل وجه في كل المؤسسات والوزارات ، فالطبيب خدم وعالج كل المرضى دون تمييز، والمعلم عَلمَ أبناء وطنه بكل جدية دون تمييز، ورجل الأمن حمى وحافظ على أرواح الناس وحقوقهم، ولنا أن نعلم أن أكثر من ١٠٠٠ عنصر من عناصر وزارة الداخلية قضوا نحبهم خلال الحروب التي شنتها إسرائيل على غزة، والكثير من الموظفين والموظفات في كافة القطاعات.
وبخصوص توقيت عودة الموظفين القدامى خارج نصوص الاتفاقيات، سنجده توقيتاً مدروساً وخبيثاً ، فالحكومة أعلنته تزامناً مع وجود الوفد الأمني المصري الذي يشرف على تنفيذ بنود المصالحة، كي يتم وضع حماس تحت ضغط وجود الوفد المصري ، فتضطر للموافقة كي لا تظهر بأنها تعطل المصالحة، فإن استجابت " فبها ونعمت " وتستمر الحكومة في الابتزاز ، وإن رفضت ، ستشتغل الماكنة الإعلامية للسلطة بأن حماس لا تريد المصالحة، وهذا ما ظهر جلياً في تصريحات بعض أركان السلطة .
علينا جميعا مغادرة مربع الإقصاء والتهميش للآخر ، ومعالجة هذه القضايا كي نتفرغ جميعاً لمواجهة الاحتلال الذي ينظر لما يحدث لنا بعين الرضا والقبول ، بينما هو يسرق أرضنا، ويُهود قدسنا ونحن منشغلون بقضايا فرعية.