من المعروف أنه من أبجديات تمتع أي دولة باستقلالية قراراتها السيادية فيما يخص مصلحتها داخلياً وخارجياً ، أن تنتج عناصر القوة بدءاً من رغيف الخبز إلى صناعة الصاروخ ، مروراً إلى امتلاك عناصر القوة في مجالات عديدة وتحكم الدولة في موارد برها وبحرها وجوها ،لأن تأمين المتطلبات الأساسية للشعب يضمن ألا تصبح الدولة خاتماً في اصبع الدول التي تطعمها وتسقيها ، فتفقد هيبتها وتضيع مصلحتها أمام حرارة الضغوطات الخارجية.
في حالتنا الفلسطينية ننام ونستيقظ على شعار ( إن القرار الوطني الفلسطيني مستقل، ولا ولن نسمح لأحدٍ أن يفرض علينا رأيه أو رؤيته)، من الناحية النظرية هذا شيءٌ جميل نفتخرُ به على اعتبار أن أهل مكة أدرى بشعابها، ونحن أدرى بمصلحتنا، لكن ماذا عن الناحية العملية ؟
للعلوم السياسية رأيٌ مهم ، خارج عن سياق الأماني والرغبات بل مبني على ومعطيات ووقائع ، فهي تصنف استقلالية قرار أي دولة بمدى قدرتها على تلبية احتياجاتها دون أن تكون رهينة لدولةٍ أو دولٍ أخرى، وبما أن السلطة الفلسطينية ضمن توصيف العلوم السياسية هي كيان سياسي بلا سلطة فعلية على موارده التي تحت الارض والتي فوقها، وتعيش على الاكسجين القادم من المساعدات والتمويلات الخارجية، فإنها لا تملك حق الادعاء بأن لها قرار وطني مستقل، لأن اتفاقية اوسلو وملحقاتها سمحت لهذا الكيان بممارسة مهام معينة ضمن ضوابط متفق عليها، هذه الضوابط أفرغت هذا الشعار من مضمونه.
إن سؤال ( هل القرار الوطني الفلسطيني مستقل ؟ ) سؤال يثير اسئلة لدى الجمهور الفلسطيني بمختلف تياراته ، أين الاستقلال في القرار إذا كانت أبسط متطلبات الحياة الكريمة للشعب الفلسطيني تحتاج لقرار خارجي، حتى أن دولة مانحة أوقفت تمويل مدرسة لأنها سُميت باسم المناضلة الفلسطينية دلال المغربي؟ ثم أين الاستقلال في القرار إذا كانت السلطة تتخلى عن طموحاتها شيئاً فشيئاً بحجة أنها تتعرض لضغوطاتٍ خارجية، وليس لها الا السمع والطاعة مبررة ذلك أنه يأتي انسجاما مع قرارات الشرعية الدولية، ومن باب تفويت الفرصة على الاخرين وكي لا يقال عنا اننا لا نريد سلام.
وبخصوص المصالحة الفلسطينية فقد قال مسئولو في السلطة إن السلطة تتعرض لضغوطات خارجية دولية وعربية تمنعها من اتمام المصالحة إلا بالشكل الذي يخدم تلك الدول التي تطعمها وتسقيها ،إذن هل بقى لهذه الشعار من مصداقية على ارض الواقع وما رصيده ؟
أظن ان هذا الشعار هو للاستهلاك الاعلامي فقط ودغدغة الجماهير العربية وتعبئتها بما تحتاجه السلطة ، لأنه لا خير في أمة لا تأكل مما تزرع ولا تلبس مما تصنع، وأنه كما قال المثل إذا أردت ان يكون قرارك من رأسك يجب ان يكون طعامك من فأسك.