فلسطين أون لاين

​شبّان (2017م) محبّي قصّات "شافعي وميسّي وأندركوت" ستجدون أنفسكم هنا..

بين "الشارلستون" و"أبو ركبة ممزوعة" فجوةٌ زمنية مقدارها "جيل"

...
غزة - آلاء أبو عيشة

ألقى عنه البطانية متذمرًا، "إنها رابع مرةٍ أحاول فيها إيقاظك، لم يتبقَّ على موعد المحاضرة إلا ربع ساعة"، في الحقيقة لم يجد "ناجي" أمامه خيارًا إلا أن يصحو أمام نبرة أمه الغاضبة، بالضبط قبل أن تبدأ العزف على ما يسميه هو السيمفونية اليومية: "النقود التي يدفعها والدك للجامعة تذهب هباءً منثورًا".

مشى يترنح نحو دورة المياه، ثم خرج كما الواثق بأن دكتور الجامعة لن يبدأ المحاضرة إلا بوجوده، تناول مجفف الشعر، وبدأ يمرر هواءه الدافئ بين الخصلات التي تجاوز طولها اليوم عشرة سنتيمترات، ثم أمسك بعلبةٍ تحوي بداخلها مادةً شديدة اللزوجة يقول إن اسمها "واكس"، وهي قريبة من "الجل" المثبِّت مع زيادة في خاصية التجميد والتخشيب، دَهَن شعره به فوقف فوق رأسه وقفة الحرس الملكي البريطاني، ثم بدأ يلبس ثيابه.

تصف أمه مشاعرها في تلك اللحظات: "كاد يُغمى علي والله"، كان "ناجي" قد أخذ منها قبل عدة أيام ثمانين شيكلًا سرًّا عن أبيه كي يشتري بنطالًا قال: "إنه جديد"، لتفاجأ بواحدٍ "كل ملابسه المهترئة هي في الحقيقة أفضل حالًا منه"، لونه أزرق باهت كالمغسول بمادة الكلور، غريبٌ مُريبُ الهيئة، ممزقٌ من ناحية الركبة، قصير "الكَمَر" (بمصطلحات الخياطين: هي مساحة الحوض)، تطلان من أسفله قدما الشاب مع قرابة خمسة سنتيمترات من ساقيه السمراوين كثيفتي الشَعْر، اختار له خُفًّا قماشيًّا كحلي اللون "يشبه قليلًا خُف راقصة الباليه، لولا أنه يمتد أكثر فوق ظهر القدم".

تصرخ أمه: "دفعتَ ثمانين شيكلًا ثمنًا لهذا؟!، لو قلت لي لما كلفتك عناء البحث والخروج، والله، مقصٌّ صغير وكوبٌ من الكلور كانا سيفيان بالغرض مع أقدم بنطالٍ لديك"، لفّ وجهه ضاحكًا، ما بدا للأم استخفافًا بغضبها، مرددًا عبارة: "إيش فهمك إنت بالموضة يما؟!"، فلم تجد أمامها إلا فردة حذاءٍ قنصته بها ليهرب من الباب نحو الجامعة حيث المحاضرة بدأت قبل أكثر من عشر دقائق.

بصراحة: كان من المخجل لشابٍّ "طويلٍ عريضٍ" كـ"ناجي" أن يطرده المُحاضِرُ وهو الذي وصل متأخرًا (بحساب مسافة الطريق) أكثر من نصف ساعة، لم يفوّت الفرصة لرد اعتباره فهمَسَ وهو يغلق وراءه الباب: "ومَن يهتم بمحاضرتك أصلًا؟!"، يكمل طريقه نحو الكافتيريا ليلتقي صديقه الذي لم يكلف نفسه عناء دخول القاعة أصلًا "أيمن".

صراع الرغبة ومنطق الانصياع

لم يكن "أيمن" هذا إلا هيئةً مكررةً من تفاصيل هيئة "ناجي"، بخلاف أنه لم يرتدِ بنطالًا من الجينز الممزق، بل بنطالًا قطنيًّا ضيقًا يتدلى من خصره حبلًا يشبه تمامًا "قيطان البيجاما"، نعم إنه بنطال "بيجاما" حقًّا، أضف إلى ذلك خصلةً شقراء في مقدمة شعره، يبدو جليًّا من لونه الأسمر أنها "صبغة"، جلسا معًا يحتسيان "الموكوتشينو" (مشروب ساخن) ودار بينهما الحوار التالي الذي بدأه "ناجي":

  • يا رجل، لقد مللت من انتقادات أهلي لشكلي وطبيعة ملابسي، كان صباحي سيئًا عندما أخبرتني أمي بأن أبي اليوم سيقيم عزائي، إذا عدت إلى البيت دون أن أقص شعري.
  • لا تكترث، كل الأهل هكذا، من المستحيل أن يستوعبوا أن أيامنا تختلف عن أيامهم (...) أبي مثلًا يتمنى لو أنني أفرق شعري من المنتصف وأدهن كل جهةٍ منه بزيت الزيتون كما كان جد جدي يفعل.
  • من كان يحاسب أبي عندما كان يرتدي بناطيل "الشارلستون" في الثمانينيات؟!، من كان يحاسبه وهو يرتدي قمصان "الحرير" و"الفوسكوز" المشجّرة؟!، ماذا عن سلاسل الفضة وأزرار الصدر المفتوحة حتى منتصف البطن؟!، كل صوره القديمة عندي.
  • حسنًا بإمكانك ببساطة أن تقول له: "عشت أيامك، فدعني أعش أيامي".

يختم "ناجي" الحديث قبل أن يتنهّد ويصمت عن الكلام تمامًا: "أنت لا تعرف أبي جيدًا، لن أقص شعري، لكنني لن أسلم من لسانه، وربما يده أيضًا".

نعم، هذه هي المقارنة التي يضعها شباب اليوم في عقولهم، أعزاءنا القراء، عندما يطالبهم آباؤهم بتغيير قصات شعورهم أو تغيير نمط ملابسهم، أو عدم اتباع "الموضة" الغريبة بوجه عام، التي حسب ما يرون (الآباء) لا تناسب معتقداتنا ولا تقاليدنا الشرقية المحافظة، وبعضهم يذهب إلى أكثر من ذلك عندما يراها "تنتقص من رجولة الشاب، وتجعله عبدًا لنمطها بتصرفاته التي ستصبح تلقائيًّا أقرب إلى تصرفات الإناث، عن "موضة" الشبان لعام 2017م سنتحدث اليوم، فابقوا معنا:

ماذا يقول الشباب؟

يقترب "محمد النونو" (وهو طالب كلية الآداب بجامعة الأزهر) من مراسلة "فلسطين" بقصة شعره الكلاسيكية وهيئته التقليدية العادية، ليعلق بالقول: "لي الكثير من الأصدقاء مجانين "الموضة"، أتقبلهم بكل تأكيد بناء على أنني أتعامل مع الإنسان على وفق أخلاقه وتصرفاته، لكن من المستحيل أن أرتدي زِيّهم، أو أن أقص شعري مثلهم"، فالفكرة الأهم قبل اتخاذ القرار بتغيير "اللوك" (الشكل) هو أن يكون مناسبًا لوجهك وطبيعة جسمك والبيئة التي تنحدر منها، والأهم من ذلك ألا يدخل فيه الحرام، حسب رأيه.

صديقٌ له يُدعى "عبد الله الخطيب" يتدخّل ضاحكًا (وكان يرتدي بنطالًا قطنيًّا كالمشروح عنه أعلاه وحذاءين قماشيّين خفيفين بجوربين مقصوصين إلى حيث ينتهي حد الحذاء): "ماذا تريدون منا وسط هذه الموجة العارمة من "الموضة"؟، أن أحلق شعري كشعر موظفي الثمانينيات، وأرتدي قميصًا بجيبين ناحية الصدر، وبنطالًا قماشيًّا من اللون نفسه، ثم آتي إلى الجامعة كالطالب النجيب؟!"، يتابع تعليقه ساخرًا: "أي والله بنصير مضحكة الجامعة".

يسأله النونو ممازحًا: "يعني عاجبك منظر رجليك هيك؟!، إيش بتورجينا يعني علشان نفهم؟!"، يضحكان معًا تحت بند (اختلاف "الموضة" لا يفسد للصحبة قضية)، ويمضيان إلى حيث محاضرةٍ _على ما يبدو_ كانت تنتظر.

وتتحدث فتاة اكتفت بإخبارنا باسمها الأول "آية"، وقد اعترتها ملامح الاستغراب، عن قصة شعر شبابية اسمها "الفوضوية" أو "ميسي كات" (نسبةً إلى لاعب الكرة الأرجنتيني الشهير ميسي): "لا أطيقها، يبدو شعر الشاب فيها بشعًا ومهملًا، من يرى صاحبها لن يتوقع أبدًا أنه يمكن أن يمضي أكثر من نصف ساعةٍ أمام المرآة، يرتب شعره حتى يظهر به على هذه الصورة".

وتقول: "إن لي أخًا يحلق شعره (أندركوت)"، وعنها تشرح: "يحلق الشعر فيها تدريجيًّا من الأعلى إلى الأسفل حتى تكون كثافة الشعر في أعلى الرأس، ثم يحلق الجانبين إلى أقصر ما يمكن، وبعد القص يوضع "الواكس" على الشعر للحصول على "الموديل" الذي يرغب به الشاب"، معلقةً وهي تضحك: "أبي كلما رآه لسعه بكف يده على رقبته من الخلف، سائلًا إياه بحزم: (بدكاش تغيّر هالموديل؟!، ولك استرجل)".

فتاةٌ أخرى تدرس في الجامعة الإسلامية تدعى "ياسمين أبو شعبان" تؤكد أنها من المستحيل أن تتخيل زوجها المستقبلي "فارق شعره على جنب"، على حد تعبيرها، وتمضي قائلةً: "لا شك أني أحب شكل الشاب الذي يتبع "الموضة"، لا تقولوا لي "موضة" غربية وعادات وتقاليد، ومجتمعات محافظة، العالم من حولنا لا يفهم هذه المصطلحات، العالم كله يتقدم ونحن نقف في طريق شبابنا حتى بحلاقة الشعر".

عقل جدّي

لم يرُق رأي "ياسمين" الذي يمثل رأي طيفٍ واسعٍ من الشباب والشابات بغزة العم أبا محمد حسونة الذي يقترب من الثمانين، بطبيعة الحال، إذ يقول: "يبدو الشاب من هؤلاء كمن يحمل رأسًا فوق رأسه، لم نعهد على الرجال هذا من قبل، وأنا شخصيًّا لدي حفيد يقص شعره قصة الهدهد، كلما رأيته استفز كياني، فلا أملك إلا أن ألوح أمام وجهه بعكازي صارخًا في وجهه: ابتعد عني أيها القنفذ".

يضحك متابعًا: "أريده أن يكون رجلًا، يستفزني كثيرًا عندما يجلس في حضرتي وكلما هبت نسمة هواء رتب شعره، هذا يجعلني في قمة الغضب، غير سراويله التي تفصل رجليه، وتدفعه بـ"موديلها" الغريب إلى التمايل في مشيته والتقصّع فيها".

الحاجة زوجته مثله ترفض "موضة" الشباب لهذا العام، لكن قلبها الطيب يضطرها دائمًا إلى أن تقول: "خليهم ينبسطو، مش بيكفي اللي شافوه من حرب وموت، عشنا أيامنا خليهم يعيشوا أيامهم".

"الافتتان بالمنتصر"

ويعرف المراقب لمعروضات الأسواق على مدار السنوات العشر الماضية على الأقل أن أنماط الأزياء الشبابية (الرجالية) بدأت تأخذ منحى مختلفًا عن المتعارف، منذ ما يقرب من الأعوام الأربعة، عندما راجت مع بداية تلك المدة "السراويل السيليكون الملونة" (الأرجواني، والحبري الأزرق، والكموني، والقرميد القرفي)، تبعتها "موضة" الخصر "القصير المدى"، ثم سراويل الجينز "المزمومة" من الأسفل، إلى أن وصلت إلى غزة اليوم السراويل الممزقة ذات الألوان الشاحبة، وسراويل القطن التي لن يتوقع جدك _لو كان حيًّا_ أنها يمكن أن تُرتدى في مناسبةٍ رسميةٍ اليوم.

على العموم إن تغير نمط الملابس وقصات الشعر "الرجالية" ليس بدعًا جديدًا في الوطن العربي، فكثيرًا ما كنا نسمع عن "جاكيت" جديد اجتاح الأسواق كان قد ارتداه ممثل معين، أو قصة شعر جديدة تبناها مطرب، لكن الجديد هنا نسبة التقبل والانصياع لأي "موضة" شبابية جديدة، المترتبة تلقائيًّا على ارتفاع نسبة الانفتاح على الثقافات التركية تحديدًا، والهندية والأجنبية على وجه العموم، من طريق الدراما الخاصة بكل منها، ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.

مدير مركز التدريب المجتمعي وإدارة الأزمات بغزة د. درداح الشاعر يرى أن ما يدفع الشاب اليوم إلى الانقياد نحو "الموضة" الغربية هو كونه يعيش في مرحلة تكوين مفهومه عن ذاته (ونتحدث عن الشاب ما تحت سن الخامسة والعشرين)، عندما يبنيه بمخالفة العرف والمجتمع، كونه يعتقد أنه يعيش في مرحلة من التحرر العقلي والاجتماعي مختلفةً تمامًا عن تلك التي كان يعيش فيها أبوه وجده، "بمعنى أكثر بساطة: لو أن أبي يرتدي جلابية فأنا سأرتدي بنطالًا"، وقس على ذلك.

يعيش الشاب في المرحلة المذكورة (والحديث لـ د. الشاعر) في حالة من "الافتتان بالمنتصر" الذي تمثله المجتمعات الغربية، حيث التطور والتقدم والتحرر من كل قيود العادات والتقاليد حتى الدين، فيرى ثقافة تلك المجتمعات نموذجًا للحضارة يجدر به اتباعه، أما مجتمعه العربي "الذي يعج بالفشل" حسب نظرته فهو نموذج للتخلف يجدر به مقاطعته، "وعندما كان من الصعب بمكان تقليد المجتمع القوي بإنجازاته يحاول الشباب تقليده بالشكل، وهذا عنده أضعف الإيمان".

"مرحلة طيش"

في تلك المرحلة العمرية يحدد عقل الشاب مجموعةً من القدوات التي تمكنت أسماؤها من التمدد على مستوى الوطن العربي، يبدأ بتأكيد ظهوره ووجوده وذاته بتقليدها، ولو على حساب العرف والشرع، وتزداد رؤيته تلك ترسخًا، إذا ما تطايرت على مسامعه عبارات الإعجاب، خصوصًا من بنات حواء، في حين لا يكترث أصلًا إذا ما عيره أبوه أو جده بشكله هذا، كونه بطبيعة الحال يراهما أداةً لنقل التخلف والرجعية فقط.

"بعد الخامسة والعشرين (يزيد د. الشاعر) تنتهي هذه المرحلة، عندما ينصدم الشاب بالواقع العملي والاجتماعي والاقتصادي للبلاد العربية التي يعيش فيها، فلا يعود يهتم بقصة شعر الشافعي، ولا ببنطال ميسّي، يصبح شغله الشاغل البحث عن عمل، وتكوين أسرة، وإنجاب أطفال، يقتنع هنا تمامًا أنه أضحى رجلًا ويعدُّ مرحلة "الموضة" تلك مرحلة طيش ومضت". يضيف: "حتى الفتاة التي تتحدث عن إعجابها بالشاب "المُمَوّض" عندما تصبح في سن الزواج ستبحث عن رجل قادر على تحمل مسئولية الزواج والأسرة، يسعى إلى كسب لقمته ولقمتها ولقمة عيالهما، ولن تهتم أبدًا بكونه يقص شعره "كوكو"، أو يفرقه من المنتصف".

ولكن د. الشاعر يعود ليؤكد أهمية التربية الأسرية على حسن المظهر، وأخلاق العرب والمسلمين، وتهذيب الأبناء في حركاتهم ومشيتهم وملابسهم، قائلًا: "فهذا كله سيظهر على الشاب مجددًا بمجرد انتهاء مرحلة الطيش تلك، البذرة الطيبة لا تموت".

المكروه جزءًا حرامٌ كُلًّا

وبالمختصر المفيد يردّ د. بسام العف أستاذ الشريعة والقانون في جامعة الأقصى بغزة على سؤالنا عن نظرة الشرع إلى ملابس وشعر شباب هذا الجيل بالقول: "الأصل في اللباس الحِل (أي أن يكون حلالًا) على وفق شروط اللباس الإسلامية، التي تقضي بأن يكون للرجل: "ساترًا للعورة من السرة إلى ما تحت الركبة، وألا يصف ولا يشف أبدًا" (...) وهذا ما بتنا نرى عكسه عند بعض الشباب ممن يرتدون الملابس الممزقة من عند ما فوق الركبة أو ناحيتها مباشرةً، هذا غير ضيق السراويل التي يرتدونها إلا من رحم الله بحيث تفصّل الجسد والمشية بما لا يليق بتكوين الرجل الفطري".

"أما إن كانت "الموضة" تماشي الشروط السابقة لكنها مستقبحة عرفًا (لا يتقبلها ولا يستسيغها المجتمع) فتصبح أقرب إلى المكروه بل إلى الحرام في حالة المداومة عليها، تبعًا للقاعدة الفقهية (المكروه بالجزء ينقلب إلى حرامٍ بالكل بالمداومة)" يضيف.

أما قصات الشعر الحديثة التي تعتمد على إطالة أجزاء من الشعر وتقصير أجزاء ونحت أجزاء أخرى فهذه تُعرف بـ"القَزَع"، وقد ورد فيه نهيٌ على لسان النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، لما فيه من تشبه بالغرب، و"التشبه بالغرب كذلك منهيٌّ عنه نهي الكراهية وقد يصل إلى حد التحريم".