السلطة تجمد الاتصالات مع الولايات المتحدة، هل هذا هو قرار سيدخل حيز التنفيذ بما له من تداعيات، أم أنه سيكون منفصلًا عن أرض الواقع؟
وعقب إبلاغ وزارة الخارجية الأمريكية منظمة التحرير الفلسطينية بعدم تجديد ترخيص مكتبها في واشنطن، لوّح أمين سر اللجنة التنفيذية للمنظمة صائب عريقات بتعليق الاتصالات بالإدارة الأمريكية، بينما أعلن وزير الخارجية، رياض المالكي في حديث للوكالة الفرنسية، أمس، تجميد الاجتماعات مع المسؤولين الأمريكيين.
ويربط مراقبون بين هذا القرار وما أعلنه رئيس السلطة في يوليو/تموز الماضي عن وقف التنسيق الأمني مع (إسرائيل)، في وقت نفى فيه مسؤولون إسرائيليون توقف هذا التنسيق على أرض الواقع، للدلالة على أن هذا القرار "استعراضي".
وتعترف السلطة ومنظمة التحرير بـ(إسرائيل)، وهو أحد شروط اللجنة الرباعية الدولية التي تضم الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، بينما لا تعترف دولة الاحتلال بدولة فلسطينية، وتستمر في الاستيلاء على الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة عبر سياسة الاستيطان.
وتقول أستاذة العلوم السياسية آمنة بدران، بشأن وجود قرار للسلطة بتجميد الاتصالات مع أمريكا، إن الأمور لا تزال في بدايتها، مشيرة إلى محاولات من "الأطراف العربية" للضغط على الإدارة الأمريكية لتغيير قرارها بشأن تجديد ترخيص مكتب المنظمة في واشنطن.
وترجح بدران، في تصريحات لصحيفة "فلسطين"، أن تجري "في الخفاء" مفاوضات حول شروط معينة لإعادة فتح مكتب المنظمة في واشنطن، مبينة أن الحديث عن عملية تسوية وعودة للمفاوضات في وقت يتم إغلاق مكتب المنظمة فيه يضع السلطة في "موقف محرج" يدفعها لاتخاذ موقف من قبيل وقف الاتصالات.
لكنها تتساءل عن طبيعة المباحثات التي يمكن أن تجري باتجاه "تسوية ما" تؤدي إلى فتح مكتب المنظمة، والضغوطات التي ستمارس على السلطة "والتنازلات" التي يمكن أن تقدمها الأخيرة لتحقيق ذلك.
وتقول بدران، إنه "على الأغلب رسميا توقفت الاتصالات بين السلطة وواشنطن"، لكنها تلفت إلى وجود "قنوات غير رسمية أو خلفية".
كما أنه من الناحية الرسمية –والكلام لا يزال لبدران- من غير المعلوم إلى أي مدى توقفت الاتصالات بين الطرفين، موضحة أن ذلك يحتاج إلى بعض الوقت لمعرفة التفاصيل.
وفي الوقت نفسه، تؤكد بدران أنه يمكن أن ينسحب مصير قرار وقف التنسيق الأمني الذي تشير المعطيات إلى عدم دخوله حيز التنفيذ، على قرار وقف الاتصالات بواشنطن.
وتتابع: "الدليل على ذلك أنه تم الرجوع والعدول عن الإعلان عن وقف التنسيق الأمني"، داعية إلى التريث حتى تكشف الأسابيع والأيام المقبلة عن واقعية قرار وقف الاتصالات.
وتوضح بدران أن الإدارة الأمريكية تسعى إلى الضغط على السلطة ومنظمة التحرير لكي لا تقدما قضايا ضد (إسرائيل) لأي محكمة دولية، وهذا كان شرطًا سابقًا للمفاوضات وليس فقط لإعادة تجديد ترخيص المكتب.
وتؤكد أن ذلك إنْ حدث، يمثل "تنازلا" من السلطة حتى قبل بدء المفاوضات بينها وبين (إسرائيل)، لكنها تعتقد أن الأولى "من الصعب أن توافق" على المطلب الأمريكي بعدم مقاضاة دولة الاحتلال، لكنها من الممكن أن تلجأ إلى "عدم التسرع" في ذلك.
"لا أوراق قوة"
لكن عضو مجلس العلاقات الدولية، ناجي البطة، يصف قرار السلطة بأنه "استعراضي أكثر منه حقيقي، ويعبر عن امتعاض السلطة وعدم موافقتها على الإجراء الأمريكي، لكن في كل الأحوال منذ مطلع الثمانينيات (من القرن الماضي) كان يتم إغلاق المكتب وعدم التصريح له".
ويقول البطة، في تصريحات لصحيفة "فلسطين"، إن واشنطن تلجأ لبعض الابتزازات لتحقيق مطالب تستجيب لها منظمة التحرير منذ الثمانينيات من القرن الماضي، ثم يتم إعادة الترخيص.
ويشير إلى أن السلطة "محتاجة لأمريكا في مفاوضات التسوية مع الكيان الصهيوني والدعم المالي الذي تقدمه الولايات المتحدة وإعطاء الضوء الأخضر للدول التي تعطي مالًا للمنظمة بالتالي الأمر (وقف الاتصالات) ليس أكثر من تصريح ربما لا رصيد له".
ويعتقد البطة، أن السلطة "ليس لديها أي أوراق قوة تناور فيها، ولا حتى تفاوض بها"، قائلا إن الأخيرة "جردت نفسها من كل ما يمكن أن تتم المفاوضات عليه".
ويؤكد أيضًا أن التنسيق الأمني مستمر في الضفة الغربية بين أجهزة السلطة ودولة الاحتلال.
ويتمم بأن السلطة "ستقدم تنازلات مرتبطة بما يعرف بـصفقة القرن" لتسوية القضية الفلسطينية.
وحتى تتضح معطيات تشير إلى تجميد الاتصالات فعليًا بين السلطة والولايات المتحدة، تبقى هذه التصريحات في حيزها الإعلامي، بينما قرار واشنطن عدم تجديد تصريح مكتب المنظمة ساري المفعول.

