فلسطين أون لاين

​حققت الامتياز في الدكتوراة

الجدّة نجمة.. خرّيجةٌ بعمر الـ 74

...
الشارقة / غزة - نسمة حمتو

لم يكن سهلاً على السبعينية نجمة أبو إصبع أن تعود إلى مقاعد الدراسة مرة أخرى بعد أكثر من 20 عاما مرت على حصولها على درجة الماجستير، ولكن الإصرار على إكمال طريقها في البحث عن نضال المرأة الفلسطينية، والشغف في التعلم وزيادة المعرفة، شجّعاها على التسجيل في برنامج الدكتوراة التابع لجامعة "لاهاي" الهولندية، لتحصل على تقدير امتياز بجدارة بعد مجهود كبير بذلته لتحقيق حلمها..

"فلسطين" حاورت السيدة أبو إصبع المقيمة في الإمارات العربية المتحدة، للتعرف على تفاصيل رحلتها في العلم والعمل والحياة..

تعلّمٌ وتعليم

نجمة أبو إصبع (74 عاما) من مواليد مدينة رام الله، أنهت دراستها الثانوية في مدرسة البيرة عام 1963، وانتقلت بعدها إلى الجزائر لتعليم اللغة العربية للمواطنين الجزائريين بعد أن كانت اللغة الفرنسية هي الرائجة في ذلك الوقت.

تقول أبو إصبع لـ"فلسطين" عن تجربتها في التعليم في تلك الفترة: "بعد عام من تدريسي اللغة العربية في الجزائر، توجّهت إلى مصر لأحصل على الليسانس من قسم التاريخ في جامعة الإسكندرية، وبعدها تزوجت وأنجبت".

وتضيف عن أمنيتها في إكمال تعليمها في ذلك الوقت: "لم ينطفئ عندي حب التعليم، حتى بعد أن تخرجت، ولكنني قررت العمل حينها مُدرسةً في ليبيا، وذلك منذ عام 1970 وحتى عام 1976، ومن ثم سافرت مع عائلتي إلى الإمارات، وهناك عملت مرّة أخرى في مهنة التدريس لمدة 17 عاما في المدارس الحكومية، وقضيت ثلاث سنوات في الإشراف على المدارس الخاصة".

رغم الإصابة

عندما وصلت أبو إصبع لعقدها الخامس قررت استئناف الدراسة للحصول على درجة الماجستير، فالتحقت بجامعة عدن في اليمن، وبعد أن أنهت كتابة الرسالة وكانت تنوي مناقشتها، حدث ما لم يكن بالحسبان، وهو تعرضها لحادث أليم، أجرت على إثره عدة عمليات جراحية.

وعن ذلك، توضح: "كان المشرف على رسالة الماجستير يعتقد أنني بعد الحادث لن أستطيع إكمال الدراسة، ولكنه فوجئ بعد ستة أشهر بطلبي لمناقشة رسالتي، وناقشتها بالفعل وحصلت على تقدير جيد جدًا".

"لمَ كل هذا التعب؟ تسافرين وأنتِ مريضة لتكملي رسالة الماجستير؟".. كان معارفها يطرحون عليها هذا السؤال كثيرا، مستغربين من تصرفها، وكان ردها الحاضر دوما: "قد أمر في ظروف أصعب، فلا أستطيع مناقشتها".

عادت أبو إصبع للعمل في التدريس مرة أخرى بعد إنهائها رسالة الماجستير، ورغم أنها كانت أمًا لخمسة أبناء، إلا أن هذا لم يكن حائلا أمام طموحاتها في العمل، وفي المقابل حبها للتدريس لم يمنعها من القيام بواجباتها الأسرية على أكمل وجه.

وتبيّن: "كان دائمًا عندي حب للتعرف على معاناة المرأة الفلسطينية، وما تعرضت له الأم التي فقدت بناتها أو الزوجة التي فقدت زوجها وأصبحت تعيل أسرة بأكملها، على سبيل المثال، فأنا على قناعة بأنه لا توجد امرأة في الدنيا ناضلت كالمرأة الفلسطينية".

لشدّة تعلّق ضيفتنا بالبحث في تفاصيل نضال المرأة الفلسطينية وتاريخها، عزمت على تأليف كتاب عن هذا الموضوع، ولكن زوجها وأبناءها شجعوها على تقديم رسالة الدكتوراة بما جمعته من حقائق عن تاريخ المرأة الفلسطينية، وبعد تفكير مُطوَّل في الأمر، قررت أن تحقق الحلم الذي كان يراودها دائما وهو الحصول على درجة الدكتوراة.

تتحدث بإصرار عن رسالة الدكتوراة التي ناقشتها: "كنت أدون المعلومات التي أريدها بشكل دائم، وكنت أواجه صعوبة في موضوع الكتابة، ولكن سرعان ما تلاشت هذه المشكلة عندما ساعدني أبنائي وأحفادي في طباعة الرسالة".

استطاعت أبو إصبع أن تجمع كمًا كبيرًا من المعلومات عن نضال المرأة الفلسطينية على مدار 25 عاما، فاختارت أن يبدأ بحثها من الانتفاضة الأولى عام 1987، وحتى عام 2012.

قبل نهاية 2017

وعن الصعوبات التي واجهتها أثناء دراستها الدكتوراة، تقول: "كفلسطينية مغتربة، كان من الصعب عليّ التوجه إلى مدينة رام الله لأحصل على المعلومات التي أريدها، إلى أن تمكنت من دخولها كسائحة لمدة ثمانية أيام، وزرت وزارة المرأة واستطعت الحصول على بعض المراجع المهمة في هذا الموضوع".

وتضيف: "الصعوبة الثانية التي واجهتها كانت عدم وجود مراجع خاصة بنضال المرأة الفلسطينية في إمارة الشارقة التي أعيش فيها، وكذلك لا توجد كتب ومراجع منشورة على الإنترنت عن هذا الموضوع، وهذا ما اضطرني لإرسال رسائل عبر البريد الإلكتروني لبعض الشخصيات ذات العلاقة بموضوع الرسالة، وأجريت بعض المقابلات في الأردن".

البحث في موضوع رسالة الدكتوراة جعل أبو إصبع تتنقل بين أكثر من دولة للحصول على المعلومات التي تريدها، ورغم تأثير الحادث السابق عليها إلا أنها لم تتخلَّ عن تحقيق حلمها.

توضح: "التشجيع من قبل زوجي وأبنائي وأحفادي وأقاربي هو ما شجعني على المضي قدما في دراسة الدكتوراة، وعلى كتابة الرسالة رغم كل الصعوبات التي مررت بها"، مبينة: "حددت لنفسي هدفا، وهو ألّا ينتهي عام 2017 إلا وقد أنهيت مناقشة الرسالة، وبفضل الله استطعت تحقيقه".

لم تكن الدكتوراة هدفا وحيدا، إذ تبين: "عندما أردت خوض هذه التجربة لم يكن هدفي فقط هو الحصول على درجة الدكتوراة، بل كان واجبا عليّ كباحثة أن أدون تفاصيل نضال المرأة الفلسطينية وما تعرضت له من ظلم إسرائيلي طيلة سنوات عمرها".

"بينما كنت أجلس أمام المشرفين وأسرد ما لخصته عن الرسالة، كنت أشعر حينها أن ما كتبته هو إنجاز لي، صحيح أني لم أعشه بنفسي، ولكنني شعرت بأنني إحدى النساء المناضلات اللاتي كتبت عنهن في رسالتي، خاصة أن جميع الحاضرين أُعجبوا بطريقة تلخيصي للرسالة، شعرت بفخر واعتزاز وفرح عندما ارتديت ثوب التخرج رغم أنني أرتديه للمرة الثالثة، والشعور الأجمل كان عندما حصلت على الامتياز في الرسالة، كل هذا توفيق من الله".. هكذا تصف ضيفتنا حالها أثناء مناقشة رسالة الدكتوراة.

القياسُ بالإنجازات

على مدار 74 عاما عاشتها أبو إصبع، لم تفكر يومًا بعدد السنوات التي قطعتها، بل كانت دائمًا تقيس عمرها بالإنجازات التي حققتها في الحياة، وعن ذلك تقول: "كلما كنت أشعر أن صحتي جيدة وأنني لا أزال قادرة على الحركة والمشي وقيادة سيارتي والانتقال بها من مكان لمكان، وأن الله نجاني من حادث أليم، وأنني مسؤولة عن أسرة وأقوم بواجباتي الاجتماعية كأي سيدة، كنت أكمل كل الأشياء المطلوبة مني، ولم أتخاذل أبدًا".

وتضيف: "رغم صعوبة الدراسة وضغط الرسالة، إلا أنني كنت أفصل بين الدراسة ومسئوليتي كأم في المنزل، فكان النهار كله لزوجي وعائلتي ومناسباتي الاجتماعية، وكنت أسهر طيلة الليل، من الساعة الثامنة مساءً حتى الرابعة فجرا لكي أدرس".

رسالة أبو إصبع في الحياة هي أن "النجاح لا يحده عمرٌ معين، ما دام الإنسان قادرًا على العطاء ويتمتع بصحة جيدة، فهو يستطيع أن يحقق ما يريد، خاصة أن الحركة والعمل يعطيان الجسم طاقة كبيرة وإصرارا على النجاح، بينما التقاعس في العمل يجعل الجسم ضعيفا منهارا".

الدكتوراة ليست نهاية المطاف، فضيفتنا عازمة على المزيد من العطاء، تقول: "أتمنى أن أكمل إبداعاتي في مجال المرأة، وخاصة الفلسطينية، كما أتمنى على الخريجين أن يلتفتوا لهذه القضية، رسالتي ستُطبع وتُوزع على عدة مكتبات، وهذا فخر لي، وأسال الله أن يعطيني الصحة لأنجز أكثر في مجال العلم".