عمق المنخفض الجوي مأساة وحياة نحو 1.5 مليون إنسان يعيشون في خيام ومراكز إيواء بدائية لا توفر الحد الأدنى من الحماية والرعاية الصحية، فأغرقت مياه الأمطار خيامهم ودمرت الرياح مستلزماتهم المعيشية وسط نقص الإمكانيات وغياب وسائل الحماية من البرد والأمطار.
واضطر سكان الخيام للتشرد مرة أخرى ضمن مسلسل طويل من النزوح القسري بفعل حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة منذ أزيد عن عامين، وتعالت أصواتهم بالصراخ والبكاء وسط مشاهد مؤلمة لأطفال وكبار يرتجفون من البرد.
وانتشرت مقاطع فيديو مصورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لغرق مخيمات وخيام إيواء دون تدخل من طواقم البلديات المحلية التي تشكو من الحصار والمنع الإسرائيلي لدخول الآليات والمعدات والوقود اللازم لعملياتها الخدماتية.
وأدى المنخفض المستمر منذ أيام وحتى نهاية الأسبوع إلى فقدان آلاف الأسر لمأواها المؤقت وتسبب في تلف الملابس والأفرشة والأغطية، كما دفع بموجة من البرد والأمراض التي تنهش أجساد الكبار والصغار.
وأعلنت وزارة الصحة، أمس، عن وفاة مواطن جراء انهيار جدار على خيمته ورضيع جراء البرد الشديد، قبل أن يعلن الدفاع المدني لاحقا ارتفاع حصيلة ضحايا المنخفضات الجوية خلال ديسمبر/ كانون الأول الجاري إلى 25، بينهم 6 أطفال قضوا جراء البرد القارس.
كما توفي، أول من أمس، طفل وامرأة بسبب المنخفض الجوي المستمر.
وفيات ودمار
ورصدت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" تضرّر أكثر من 235 ألف نازح في غزة جراء منخفض "بايرون" الجوي الذي أدى إلى انهيار مبان وتضرر خيام. وقالت وكالة "أونروا" في تدوينة عبر حسابها على موقع "إكس"، إن "أشهرا من الحرب والنزوح أجبرت الناس في غزة على العيش وسط أنقاض آيلة للانهيار، في مساكن مؤقتة أو خيام بالية".
وأضافت أن العاصفة "بايرون" التي ضربت غزة في 10 ديسمبر كانت "كارثة طبيعية، إلا أن تداعياتها جاءت من صنع الإنسان"، في إشارة إلى تفاقم الأضرار نتيجة الدمار الواسع وانعدام الملاجئ الآمنة عقب حرب الإبادة الإسرائيلية.
وقدرت "أونروا" أن 17 مبنى قد انهار وأن أكثر من 42 ألف خيمة أو مأوى مؤقت تعرضت لأضرار كاملة أو جزئية ما أثر في ما لا يقل عن 235 ألف شخص، بحسب ما نقلته عن مجموعة المأوى في غزة، التي تضم منظمات تابعة للأمم المتحدة وأخرى غير حكومية.
وبحسب المتحدث باسم الدفاع المدني محمود بصل، فإن الخيام أثبتت فشلها الكامل في إذ لم توفّر الحماية من البرد ولا من الأمطار، ولم تعد صالحة كحل إنساني في ظل هذه الظروف القاسية.
وأوضح في تصريح، أمس، أن 18 بناية سكنية انهارت بشكل كامل ما خلف خسائر بشرية ومادية جسيمة، منذ بدء تأثير المنخفضات الجوية على غزة.
وذكر أن المنخفضات خلال تلك الفترة أسفرت عن وفاة 25 مواطنا من بينهم ستة أطفال قضوا نتيجة البرد القارس فيما توفي الآخرون جراء انهيارات المباني والسقوط في آبار وبرك تجميع مياه الأمطار.
وأشار إلى أن أكثر من 110 بناية سكنية تعرضت لانهيارات جزئية خطيرة تشكّل تهديداً مباشراً لحياة آلاف المواطنين القاطنين فيها أو بمحيطها، كما تطايرت وغرقت أكثر من 90% من خيام النازحين نتيجة شدة الرياح وغزارة الأمطار في مشهد يعكس حجم الكارثة الإنسانية القائمة.
ولفت إلى أن طواقم الدفاع المدني تلقت أكثر من 700 مناشدة ونداء استغاثة من المواطنين منذ بدء هذا المنخفض الجوي، تنوّعت بين إنقاذ محاصرين بالمياه، والتعامل مع انهيارات وأضرار جسيمة.
وجدد المتحدث باسم الدفاع المدني دعوته العاجلة إلى العالم والمجتمع الدولي للتحرّك الفوري والجاد لإغاثة المواطنين، وتوفير الاحتياجات الإنسانية الطارئة، قبل تفاقم الكارثة بشكل أكبر.
غياب المعدات والوقود
ووفق رئيس شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية أمجد الشوا فإن هذا المنخفض زاد الأمور كارثة وتعقيدا وسط غياب المعدات والآليات والوقود للبلديات المحلية وكذلك غياب وسائل الإيواء ولوازم الشتاء.
وأكد الشوا في تصريح لـ "فلسطين أون لاين" أن الأولويات الآن تتمثل في إدخال المعدات والآليات اللازمة للبلديات المحلية وجهاز الدفاع المدني وكذلك إدخال مواد البناء ومستلزمات إعادة تأهيل قطاع الصرف الصحي.
وذكر أن الخيام لا تمثل خيارا ولا حلا لأزمة الإيواء وإنما يتمثل الحل بإدخال البيوت المتنقلة "الكرفانات" وفق بنود اتفاق وقف إطلاق النار الذي رعاه الوسطاء (مصر، قطر، تركيا) وإشراف الإدارة الأمريكية.
وناشد جميع الأطراف للضغط على (إسرائيل) للالتزام باتفاق وقف إطلاق النار بالسماح بدخول مواد البناء ولوازم إعادة تأهيل البنية التحتية في غزة.
كما ناشد اتحاد بلديات غزة جميع الهيئات الأممية والمؤسسات الدولية بإدخال المعدات الثقيلة واللازمة لرفع الركام وتسوية الطرقات وتأهيل البنية التحتية.
وحذر الاتحاد، في بيان، من تداعيات خطيرة لأزمة الوقود الحادة التي تعاني منها بلديات القطاع، مؤكدا أن هذه الأزمة تهدد بتوقف الخدمات البلدية الأساسية.
وأوضح أن نقص الوقود انعكس بشكل مباشر على خدمات المياه والصرف الصحي نتيجة عدم قدرة المضخات على العمل بشكل منتظم، الأمر الذي يرفع من مخاطر تلوث المياه وانتشار الأوبئة وتدهور الوضع الصحي العام، لا سيما خلال موسم الشتاء الذي تزداد فيه الحاجة إلى هذه الخدمات الحيوية.
كما أدى شح الوقود إلى استمرار تراكم النفايات الصلبة في الشوارع والمناطق السكنية، ما يفاقم التهديدات البيئية والصحية في المناطق المتضررة.
وأشار إلى أن الأزمة أعاقت قدرة البلديات على إزالة الركام وفتح الطرق، بسبب توقف معظم الآليات والمعدات عن العمل، ما يعيق حركة مركبات البلديات والدفاع المدني والإسعاف والطوارئ، ويضعف الاستجابة السريعة للحالات الطارئة، خصوصا خلال الظروف الجوية القاسية.
وأكد الاتحاد أن التعامل مع تجمعات مياه الأمطار وتشغيل المضخات والمعدات خلال منخفضات الشتاء يتطلب كميات كبيرة من الوقود غير المتوفر حاليا.
ورغم اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2025، فإن الأوضاع المعيشية لم تشهد تحسنا كبيرا، بسبب تنصل سلطات الاحتلال من الإيفاء بالتزاماتها التي نص عليها الاتفاق، بما فيها إدخال الكميات المتفق عليها من المواد الغذائية والإغاثية والطبية والبيوت المتنقلة وغيرهما.

