فلسطين أون لاين

سياسة الاغتيالات "الاسرائيلية" وفرض قواعد جديدة للاشتباك

شكّل اغتيال رائد سعد، الرجل الثاني في كتائب القسّام، تطورًا بالغ الخطورة في مسار المشهد الميداني والسياسي، ليس فقط لما يحمله من بعد أمني، بل لما يعكسه من نوايا إسرائيلية أعمق تتجاوز حدود العملية ذاتها. فالاغتيال جاء في مرحلة يُفترض أنها محكومة بتفاهمات واتفاقات، ما يجعله رسالة مباشرة بأن الاحتلال لا يتعامل مع هذه الاتفاقات كالتزام، بل كأداة مؤقتة لإدارة المواجهة وفرض معادلات جديدة.

يهدف الاحتلال، عبر هذا النوع من العمليات النوعية، إلى تفريغ الاتفاق من مضمونه دون الذهاب إلى إعلان رسمي بانهياره.
فسياسة الاغتيالات هنا لا تُستخدم كخرق استثنائي، بل كوسيلة ممنهجة لإعادة فرض قواعد اشتباك جديدة، تُبقي المقاومة تحت الضغط الدائم، وتفتح الباب أمام توسيع بنك الأهداف في أي لحظة.

الأخطر في هذا السياق هو السعي الواضح لاستدراج المقاومة إلى رد فعل محسوب أو غير محسوب، بما يسمح لإسرائيل بتسويق رواية معكوسة أمام الوسطاء والمجتمع الدولي، مفادها أن المقاومة هي من أفشلت الاتفاق.

بهذا، يتحول الاغتيال من عمل عسكري إلى أداة سياسية وإعلامية تهدف إلى قلب المسؤوليات وتبرير التصعيد اللاحق.

توقيت العملية لا يقل أهمية عن مضمونها، إذ يأتي الاغتيال في ظل تحركات سياسية يقودها نتنياهو، وعلى رأسها زيارته المرتقبة إلى واشنطن، لتفريغ المرحلة الثانية من مضمونها كما فعل في المرحلة الاولى.

 التصعيد الميداني في هذا التوقيت يبدو محاولة لفرض وقائع مسبقة، ورفع منسوب التوتر، بهدف انتزاع غطاء أمريكي أو تفهم دولي لسياسة أكثر عدوانية في المرحلة القادمة، سواء عبر توسيع دائرة الاستهدافات أو تشديد شروط أي تفاهمات مستقبلية.

داخليًا، يوظف نتنياهو هذا التصعيد في سياق أزماته السياسية المتراكمة، محاولًا إعادة ترميم صورته كقائد أمني قادر على فرض المعادلات، في وقت تتآكل فيه الثقة داخل المجتمع الإسرائيلي. أما إقليميًا، فإن إبقاء الساحة في حالة توتر يخدم استراتيجية إسرائيلية أوسع تقوم على إدارة الصراع لا حله.

في المحصلة، لا يمكن قراءة اغتيال رائد سعد كحدث معزول أو رد فعل أمني محدود، بل كحلقة ضمن مسار مدروس يستهدف تفريغ الاتفاق من محتواه، وإعادة هندسة المشهد بما يخدم أجندة الاحتلال*. المرحلة المقبلة ستبقى اختبارًا حساسًا لقدرة المقاومة على إدارة الرد، والحفاظ على المعادلة، دون الوقوع في الفخ الإسرائيلي القائم على تحويل الضحية إلى متهم.

المصدر / فلسطين أون لاين