"لست كاتباً محترفا, فأنا مجرد مقاوم عشق إطلاق الرصاص إلى صدور بني صهيون, وعندما عز الرصاص في بندقيتي, لم أجد سوى الرصاص في قلمي, قلم الرصاص, كتبت وسأبقى أكتب, وستبقى كلماتي تزعج كل من يقف في طريق المقاومة, كل شوكة وكل عقبة وكل مرجف".
ما سبق هي مقدمة رواية كتبها رجل ينتمي لفئة من الناس يرفضون العيش على هامش التاريخ، ويأبون التسليم بمرارة الأمر الواقع، فحملوا رسالتهم بكل عنفوان رغم معرفتهم المسبقة بما قد يلاقوه من أشواك مزروعة على جنبات الطريق، وأبدعوا في ابتكار الأساليب التي تخدم رسالتهم، ولا يتوقفون عند أسلوب واحد، ولا يضرهم من خذلهم أو خالفهم، طالما أنهم يسيرون في درب الحق ويردد كل واحد منهم "كلا إن معي ربي سيهدين".
المنتمون لهذه الفئة ليسوا بالكثيرين، لكن الواحد منهم كما كان القعقاع بن عمرو "بألف رجل"، وآثار أحدهم تبقى شاهدة على إنجازاته حتى بعد رحيله.
رواية "فلسطين العاشقة والمعشوق" هي إنتاج أدبي رائع من إنتاجات رجل ينتمي لتلك الفئة التي تأبي العيش على هامش التاريخ، رجل عرف نفسه "لستُ كاتبا محترفا" وهذه قمة الموضوعية في وصف الذات، خاصة في المجال الذي لا يتقنه كثيراً، لكنه حينما عرف نفسه في المجال الذي يتقنه قال عن نفسه "فأنا مجرد مقاوم عشق إطلاق الرصاص إلى صدور بني صهيون"، وهذا أيضا قمة التواضع حينما وصف نفسه بأنه "مجرد مقاوم"، بمعنى أنه جرد نفسه من كل المناصب، واعتبر نفسه عنصرا في أيقونة المقاومة، ولم يدع أنه المقاومة كلها، ويستمر في الحديث "وعندما عز الرصاص في بندقيتي" أي تمت عملية اعتقاله وسجنه، "لم أجد سوى الرصاص في قلمي" وهنا تتجسد شخصية الإنسان الذي حمل هم وطنه معاهدا إياه على العمل من أجله في كل الظروف والوسائل، ويؤكد "سأبقى أكتب"، وهو يدرك أن "ستبقى كلماتي تزعج كل من يقف في طريق المقاومة, كل شوكة وكل عقبة وكل مرجف".
إن رواية فلسطين العاشقة والمعشوق هي إنتاج من ادب السجون أنتجها الأسير عبد الله غالب البرغوثي في سجنه الانفرادي، ليؤكد أن صاحب الرسالة والهمة والعطاء لا تمنعه الأسوار من أداء رسالته، ولسان حاله يقول "خارج السجن قاتلت بالرصاص، وها أنا داخل السجن أقاتل بقلم الرصاص".
عبد الله البرغوثي هو صاحب أعلى محكومية في تاريخ القضية الفلسطينية والمحكوم بسبعة وستين مؤبدا وخمسة آلاف ومئتين عام، وصاحب أكبر ملف أمني بتاريخ أجهزة الأمن الصهيونية.
نختم بما أخبرنا به المهندس عبد الله البرغوثي عن تاريخ وظروف ولادة هذه الرواية فيقول في نهايتها "تمت هذه الرواية يوم 11/4/2012 قبل دخولي في إضرابٍ عن الطعام إضراب قمت به لعلي أتمكن من الخروج من قبو العزل الانفرادي الذي أقبع داخله منذ نحو عشرة أعوام.. لم أتمكن خلالها من رؤية أمي.. وأبي.. وزوجتي.. وأطفالي.. وإخوتي.. لم أتمكن خلالها من رؤية نور الشمس، إن كان هناك للشمس نور.. فأنا بدأت أشك بأن هناك نوراً ما زال يسطع من الشمس.. قد أتمكن من الخروج من قبو عزلي، وقد لا أتمكّن.. فأنا قد أخرج من قبو العزل إلى قبو القبر إن متّ نتيجة إضرابي.. وهذا يعني أنني سوف أنتقل من قبرٍ إلى آخر.. بلا شمس وبلا حياة لعل الله يجعل في قبري الآخر نوراً… آمين".