ثمنٌ باهظ خلّفه الحساب الجماعي الذي فتحه الاحتلال الإسرائيلي مع عائلة الشهيد نمر الجمل ( 39 عاما) الذي نفذ في السابع والعشرين من سبتمبر/ أيلول الماضي مَلحمة بطولية، بعد عملية إطلاق نار وطعنٍ عند مدخل مستوطنة "هار أدار" القريبة من بلدة "بيت سوريك" غربي القدس المحتلة، مردياً ثلاثة من جنود جيش الاحتلال قتلى فيما أصيب رابع بجروحٍ خطرة.
فبعد انتهاء العملية فتح الاحتلال حساباً جماعياً مع بلدة "بيت سوريك" كلها بل وقرى غرب القدس؛ إذ سحبَ معظم تصاريح العمال الذين يعملون بالمستوطنات الإسرائيلية؛ ناهيك عن عمليات التفتيش والاقتحامات، ونصب الحواجز عند مداخل القرى والاعتقالات، وكانت خاتمة هذا الحساب الجائر هدم منزل عائلة الشهيد نمر الجمل يوم أمس؛ لتقتحم قوات الاحتلال المُعززة بالآليات ووحدات الهندسة بلدة "بيت سوريك"، وقامت وحدات الهندسة بزرع العبوات الناسفة داخل الطابق الثالث الذي كان يسكن به الشهيد نمر، وفي الساعة الخامسة والنصف فجراً قام الاحتلال بتفجير الطابق.
يقول موسى الجمل عم الشهيد لصحيفة "فلسطين": " منزل العائلة الآن لا يصلح للسكن، لأن التفجير خلّف أضراراً جسيمة بالمنزل المكون من ثلاثة طوابق؛ وعاين مهندسون فلسطينيون المنزل بعد التفجير، وأكدوا أنه لا يصلح للسكن وآيل للسقوط".
وبعد تفجير المنزل، توافد أبناء البلدة للتضامن مع العائلة، ولكن الاحتلال أطلقَ قنابل الغاز بشكلٍ كثيف لإبعادهم، وخرج جنود الاحتلال من البلدة الساعة السادسة صباحاً بعد محاولتهم استفزاز أبناء العائلة والقرية من خلال إطلاق قنابل الغاز بهدف جرّهم للاشتباك معه؛ وفقاً لعم الشهيد.
وتابع حديثه: "اعتداءات الاحتلال على العائلة مستمرة منذ العملية التي نفذها الشهيد نمر؛ فقد وصلنا بلاغ منه قبل 6 أيام يطالبنا بإخلاء المنزل يوم الثلاثاء الماضي؛ تمهيداً لتفجير الطابق الثالث إلا أن الدمار مع الأسف طال كافة أنحاء العمارة".
"نمر نال الشهادة وأخذوا جثمانه؛ وهدَموا المنزل.. ماذا يريدون غير ذلك من العائلة؟ ليتركونا وشأننا"؛ هي رسالة مرفقة بعلامة استفهام استنكارية وجهها الجمل لجيش الاحتلال، لا سيما أن الاحتلال يواصل مراقبة تنقلات أفراد العائلة في البلدة؛ فضلاً عن سحب تصاريح العمل منهم.
عقاب جماعي
رئيس بلدية بيت "سوريك" أحمد الجمل استنكر تفجير الاحتلال لبيت العائلة، معتبراً ذلك "عقابا جماعيا" خاصة أن ملكية المنزل تعود لأفراد عائلة الجمل وليس للشهيد وحده.
وقال الجمل لــ"فلسطين": "مارس الاحتلال سياسة العقاب الجماعي منذ نهاية سبتمبر الماضي بعد تنفيذ العملية، باعتقال أفراد من العائلة تم إطلاق سراحهم لاحقاً؛ كما سُحبت تصاريح عمالها، بالإضافة إلى تفتيش البيوت واقتحام القرية التي كان آخرها أمس بعد تفجيره منزل العائلة".
ومع أن عائلة الجمل، لجأت إلى المحكمة العليا الإسرائيلية، لإصدار أمرٍ بوقف الهدم نظراً لأن البيت ليس مِلكاً للشهيد إلا أن المحكمة رفضت ذلك، عاداً ذلك غطرسة إسرائيلية تمارس بحق عائلات الشهداء بهدف معاقبتهم، متسائلا: "أين هي الديمقراطية التي يدعيها الاحتلال أمام هذه السياسة العنصرية والعقابية بحق الفلسطينيين؟".
ولم تقف ممارسات الاحتلال؛ وفق الجمل؛ عند هذا الحد بل قام بسحب تصاريح عمال منطقة غرب القدس التي تضم 9 قرى ويسكن بها حوالي 5 آلاف نسمة، فضلاً عن إقامة حواجز متنقلة للتضييق على السكان الفلسطينيين، مبيناً أن استمرار هذا التضييق الإسرائيلي سيزيد من حدة المواجهات مع جيش الاحتلال.
والشهيد الجمل أب لأربعة أطفال كان يعمل مزارعاً في مستوطنة "هار أدار" لمدة عشرة أعوام، وأقبل على خطوة تنفيذ العملية نتيجة تأثره بإهانة الاحتلال للعمال الفلسطينيين على الحواجز الإسرائيلية؛ وبوابات المستوطنات منتظرين لساعاتٍ طويلة حتى حصولهم على أذونات الدخول.
"يا الله".. كانت آخر الكلمات التي خطها على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" قبل الانطلاق لتنفيذ العملية، وسبقها بمنشورٍ آخر في الساعة التاسعة مساءً في ليلة الاستشهاد في 26 من سبتمبر الماضي قائلا: "لا أخشى سوى الله .. أشهد أن لا إله إلا الله" مرفقا إياها بصورة لجسمه من الخلف يظهر فيها صلابته.
وتجدر الإشارة إلى أن العمليات الفردية تزايدت مع نشوب انتفاضة القدس في تشرين الثاني/ أكتوبر 2010؛ و هي عمليات يقر جيش الاحتلال بــ "صعوبة التكهن بها" نظراً لغياب البنية التنظيمية التي عرفتها عمليات المقاومة في الانتفاضة الثانية.