كشفت شهادات لجنود في جيش الاحتلال الإسرائيلي عن حجم الفظائع والجرائم التي ارتُكبت خلال حرب الإبادة على قطاع غزة، مؤكدين أن العمليات العسكرية كانت تُنفذ دون أي قيود أو ضوابط، في ظل تحريض سياسي وديني جعل من المدنيين الفلسطينيين “أهدافًا مشروعة”.
الاعترافات جاءت في الفيلم الوثائقي "Breaking Ranks: Inside Israel's War" الذي تبثه قناة ITV البريطانية، ونقلت صحيفة "الغارديان" تفاصيله، مشيرة إلى أن البرنامج يقدم شهادات من ضباط وجنود شاركوا في القتال، تحدثوا لأول مرة عن استخدام الدروع البشرية وإطلاق النار على المدنيين الساعين للحصول على المساعدات الغذائية في مواقع التوزيع التي تشرف عليها مؤسسات إسرائيلية وأمريكية.
أحد قادة وحدات الدبابات قال: "إذا كنت تريد إطلاق النار دون قيود، يمكنك ذلك"، فيما أكد ضباط آخرون أن قواعد الاشتباك كانت غائبة تمامًا، وأن “الضمير الشخصي للقائد الميداني هو من يحدد من يعيش ومن يُقتل”.
وأوضح أحدهم أن مجرد “الاشتباه في رجل يسير في منطقة محظورة بين 20 و40 عامًا كان كافيًا لقتله”.
وتتضمن الشهادات وصفًا لممارسات تُعرف داخل الجيش باسم "بروتوكول البعوض"، حيث يُستخدم مدنيون فلسطينيون كـ دروع بشرية أو يُجبرون على دخول الأنفاق لجمع معلومات للقوات الإسرائيلية.
أحد قادة الدبابات قال: "بعد أسبوع فقط، أصبحت كل سرية تمتلك بعوضتها الخاصة" في إشارة إلى انتشار الأسلوب داخل الجيش.
وفي أحد الحوادث التي يرويها الجندي "إيلي"، أمر ضابطٌ دبابةً بإطلاق قذيفة على منزل في منطقة آمنة لمجرد أن رجلاً كان ينشر الغسيل على السطح، فانهار المبنى وسقط قتلى وجرحى كُثر.وفق تعبيرهم.
وتحدث صناع فيلم "Breaking Ranks" إلى مقاول تم التعريف به فقط باسم سام، والذي كان يعمل في مواقع توزيع الأغذية التي تديرها "مؤسسة غزة الإنسانية"، والذي يقول إنه شهد الجيش الإسرائيلي يقتل مدنيين عزل.
يصف سام حادثة وقعت في أحد مواقع التوزيع، حيث كان شابان يركضان في زحمة الناس للحصول على المساعدات. يقول: "كان بإمكانك رؤية جنديين يركضان خلفهما. سقطا على ركبتيهما وأطلقا النار عليهما، ورأيت رؤوسًا تتراجع إلى الوراء وتسقط فجأة". ويروي حادثة أخرى، حيث دمرت دبابة إسرائيلية قرب أحد مواقع التوزيع "سيارة عادية... كان يجلس بداخلها أربعة أشخاص عاديين فقط".
صحيفة "الغارديان" كانت قد حللت بيانات استخباراتية إسرائيلية أظهرت أن 83% من ضحايا غزة كانوا مدنيين، وهي نسبة غير مسبوقة في الحروب الحديثة.
كما أشار الجنود إلى أن خطاب التحريض الرسمي من السياسيين والحاخامات الإسرائيليين ساهم في ترسيخ فكرة “عدم وجود مدنيين أبرياء في غزة”، وهو ما أكده أحد الضباط بالقول: “تسمع ذلك طوال الوقت، فتبدأ بتصديقه”.
الفيلم يعرض أيضًا شهادات لضباط دين في الجيش الإسرائيلي، مثل الحاخام أبراهام زاربيف، الذي قال: "كل شيء في غزة بنية تحتية إرهابية"، وافتخر بأنه قاد الجرافات العسكرية بنفسه لهدم الأحياء الفلسطينية، معتبرًا أنه "غيّر سلوك الجيش بأكمله".
ويؤكد الوثائقي أن ما جرى في غزة يتجاوز الانتهاكات الفردية إلى سياسة ممنهجة سمحت للجنود بالقتل العشوائي وهدم المنازل دون محاسبة، وسط تواطؤ ديني وعسكري منح الشرعية لجرائم حرب موثقة بالصوت والصورة.

