على مدى عامين من حرب الإبادة على غزة، خاضت المقاومة الفلسطينية واحدة من أعقد المواجهات في التاريخ المعاصر، إذ استخدم الاحتلال كل ما يملك من نارٍ وتكنولوجيا لفرض الاستسلام، بينما واجهته المقاومة بإبداع ميداني وشعبي حول المعركة من حرب تدمير إلى ملحمة صمود.
منذ اللحظة الأولى، أدركت المقاومة أن المعركة طويلة، فاعتمدت المرونة القتالية واللامركزية الميدانية، حيث وزعت المقاتلين إلى وحدات صغيرة مستقلة ترتبط بشبكة أنفاق واتصالات بديلة، ما جعل جيش الاحتلال يفقد السيطرة المكانية رغم التفوق العددي والناري.
كما طورت منظومة “الدفاع الطبقي”، عبر ثلاث دوائر: الرصد، الاشتباك، الإطباق، مما أوقع القوات المتوغلة في كمائن دقيقة ومدروسة.
في الجانب المعنوي، خاضت المقاومة حرب الوعي بقدر ما خاضت حرب السلاح؛ إذ أدارت معركة الرواية وأثبتت أن غزة ليست ضحية فقط، بل صاحبة موقف وإرادة.
من خلال الإعلام الميداني واللغة الموحدة، تمكّنت من فضح جرائم الاحتلال عالميًا، وخلق رأي عام متعاطف مع القضية الفلسطينية.
وبالموازاة، أبدعت الأخيرة في إدارة الموارد تحت الحصار، فحوّلت الورش الصغيرة إلى مصانع ذخيرة، وأعادت تدوير كل ما هو متاح، لتثبت قدرتها على الاستمرار دون دعم خارجي.
سياسيًا، حافظت المقاومة على توازنٍ دقيق بين الميدان والتفاوض، ففصلت بين وقف النار الإنساني وبين الملفات الكبرى كالانسحاب وتبادل الأسرى، لتحافظ على أوراق قوتها دون تنازل.
وهكذا أثبتت المقاومة أن الصمود ليس صدفة، بل منظومة متكاملة من الإرادة والتنظيم والإيمان، وأن الحرب رغم قسوتها أنتجت وعيًا جديدًا في غزة:
أن البقاء في الأرض هو أعظم أشكال المقاومة، وأن ما فشلت الآلة العسكرية في تحقيقه لن تناله السياسة مهما طال الزمن.

