ما من أحدٍ بغزة إلا كان له نصيبٌ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، ففي كل أسرة، إما شهيد، أو أسير، أو مفقود، أو جريح، أو مبتور الأطراف، أو مريضٌ حُرم من الدواء، أو أجنة ماتوا في أرحام أمهاتهم، أو أطفال حُرموا من الحليب والرعاية الصحية المناسبة، أو سيدةٌ حامل أو مرضعة لم تجد ما تأكله، أو بيت مهدوم، أو أطفال حُرموا الطفولة، أو طلبة فاتتهم مواسم دراسية، أو أشخاص تبخرت أحلامهم، وضاعت تجارتهم، وهُدمت مصانعهم ومؤسساتهم، ومجاعة أكلت أكباد الجميع، الجميع اكتوى بحرارة العدوان، كل حسب تقدير الله له، والقائمة تطول.
نعم القائمة تطول؛ لأن عدونا تعامل معنا بلا رحمةٍ، بلا شفقةٍ، بلا أخلاق، نظر لنا أننا لا نستحق الحياة، إرهابيون نشكل خطر عليه وعلى العالم، قتل كل من يمكنه قتله، حتى الحيوانات والطيور لم تسلم منه، هذه غريزة فيه، فالأفاعي لا تنثر عطراً زكياً، بل المةت الزؤام، ونحن لا ننتظر منه الورود كل صباح.
عاش أهل غزة عامين، كأنهما كابوس طال انتظار زواله، لا ليلة بدون قصفٍ أو نسفٍ أو تدمير، لا نهار بلا شهداء أو جرحى، لا راحة لطبيب في مشفاه، لا راحة لمسعف؛ لأن القصف لا يتوقف، لا راحة لرجل الدفاع المدني؛ لأن النار لا تخمد.
أمام تلك اللوحة القاتمة التي رسمها العدو، وساعده بذلك صمت العالم الرسمي العربي والغربي، لم يكن أمام أهل غزة إلا انتظار الفرج من الله عز وجل ومتابعة الأخبار حتى جاء الفرج من الله وقدر من أقداره التي لا مفر من الإيمان بها، فنحن على ثقة بأن أقدار الله أجمل من أمانينا، وأكبر من مساعينا، وتم إعلان وقف إطلاق النار، وهدأ العدوان.
من أهل غزة من بكى فرحاً، لأنه عاش لحظة طالما حلم بها، ولسان حاله يقول "هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية"، ومنهم من لم يصدق فسجد شكرا لله، وكثيرون هتفوا بشكل تلقائي في الأسواق والأماكن العامة بشعاراتٍ تمجد المقاومة.
وقف إطلاق النار لم يكن على حساب كرامة أهل غزة، فهم لم يعطوا الدنية في دينهم، وقف إطلاق النار لا يعني أن غزة هُزمت، أو رفعت الراية البيضاء رغم حرارة المشهد ومرارة الخذلان العربي والإسلامي، بل إنها باقية رغم شدة المؤامرات، فالحرب سجال والظالم لا يدوم.
وقف العدوان يعني بداية حياة جديدة لغزة، وأهلها سيخرجون من تحت الركام ويعيدون صناعة وصياغة الحياة بكل فخرٍ وكل غزةٍ، لتكتب صفحة جديدة في أوسع صفحات التاريخ بأن صاحب الحق يموت ولا يتنازل عن حقه مهما كانت قسوة الظروف.
نسأل الله دوام نعمة الأمن والطمأنينة علينا وعلى المسلمين.

