فلسطين أون لاين

جنون عسكري يقود إلى الفناء ...

عاصفة داخل "إسرائيل" بعد تشبيه نتنياهو دولته بـ"إسبرطة العظمى"... ماذا يعني؟

...
thumbs_b_c_cfb51970dd545f936ce4efd61222069e.jpg
متابعة/ فلسطين أون لاين

فجّر رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو جدلاً واسعاً بإقراره بأن إسرائيل تدخل مرحلة عزلة سياسية واقتصاد يحمل سمات الانغلاق، وتشبيهها بنموذج "إسبرطة العظمى".

إسبارطة كانت مدينة يونانية قديمة قامت على القوة العسكرية والانضباط الصارم، حيث تحولت إلى دولة ثكنة لا تعرف سوى لغة الحرب. توسعت بنفوذها بعد انتصارات متتالية، وفرضت هيمنتها على مدن مجاورة عبر نظام حاميات عسكرية وعسكرة شاملة للمجتمع، شملت تدريب الرجال والنساء منذ الصغر على القتال.

لكن في معركة ليوكترا عام 371 قبل الميلاد، هُزمت إسبارطة على يد مدينة طيبة بخطة عسكرية مبتكرة كسرت غرورها وقلب جيشها، وكانت تلك الهزيمة بداية النهاية لنفوذها. ومع مرور الزمن تراجعت مكانتها لتصبح مجرد مدينة عادية ضمن اليونان، قبل أن تخضع لاحقاً لسيطرة الرومان.

9202516134717364089641.webp
 

بالعودة إلى تصريحات نتنياهو، التي جاءت خلال مؤتمر للمحاسبين في القدس، قُرئت داخلياً كاعتراف متأخر بفشل نهج الحكومة في إدارة الحرب والعلاقات الخارجية، وإشارة مقلقة إلى توجه نحو عسكرة المجتمع على حساب الاقتصاد والتكنولوجيا والرفاه.

وانهالت الانتقادات من الطيف السياسي والأمني، حيث حذر الرئيس يتسحاق هرتسوغ من تآكل العلاقات مع الغرب ورفض “الانتقال إلى شعب يعيش في عزلة”.

ووصف  زعيم المعارضة يائير لابيد الطرح بأنه جنوني ويرسخ دولة حرب متخلفة. غادي آيزنكوت اعتبر أن الشلل في إدارة الحرب يقود إلى عزلة لا تُحتمل، ودعا إلى إعادة التفويض للشعب.

فيما ربط أفيغدور ليبرمان وإيهود باراك ونفتالي بينيت وغيرهم  بين الخطاب وبين مسار “كوريا شمالية” سياسياً واقتصادياً، فيما رأى قادة أمنيون سابقون أن استعارة “إسبرطة” تعني هجرة أدمغة وتدهور التفوق النوعي. حتى أوساط اليمين الاقتصادي ومنتديات الصناعة والتكنولوجيا الفائقة حذّرت من نبوءة قد تتحقق ذاتياً إذا تُرجمت إلى سياسات.

تزامناً مع الخطاب، فتحت بورصة تل أبيب على تراجعات ملحوظة، وارتفع الدولار واليورو مقابل الشيكل، فيما هبطت مؤشرات البنوك والتأمين والبناء.

وحذر اقتصاديون من أن “الاكتفاء الذاتي” في اقتصاد صغير يعتمد على التجارة سيترجم إلى تضخم وارتفاع كلفة المعيشة وتراجع الاستثمار الأجنبي وهجرة رؤوس الأموال والعقول. على خط موازٍ، تتسع مؤشرات المقاطعة والقيود: إلغاء صفقات تسليح أوروبية، تعليق رُخص تصدير في بريطانيا، شدّ قيود أكاديمية وثقافية ورياضية، وتقلص مسارات الطيران والتبادل العلمي.

ويرى خبراء الاقتصاد والصناعة أن تحويل إسرائيل إلى اقتصاد مغلق يعني تعطّل سلاسل التوريد للمواد الخام والدواء والمكونات الإلكترونية، وتآكل ميزة “الهاي تك” التي تموَّلت تاريخياً عبر شراكات وأسواق خارجية.

ويقدّرون أن الجمع بين كلفة حرب طويلة، وتباطؤ النمو، وتصاعد العزلة قد يضغط على التصنيف الائتماني والديون، ويقود إلى ضرائب أعلى وخدمات عامة أضعف، مع مسّ مباشر بالطبقات المتوسطة والفقيرة.

من جهتها، نددت صحيفة هآرتس -في افتتاحيتها بتصريحات نتنياهو، المطلوب أمام المحكمة الجنائية الدولية، نيته تحويل إسرائيل إلى "مدينة إسبرطة"، وقالت إن نتنياهو "الفاشل" سيزج بإسرائيل في الهاوية وحروب لا نهاية لها.

وأضاف: "من الممكن أن نجد أنفسنا في وضع تُحاصر فيه صناعات السلاح لدينا"، معلنا عزمه تحويل إسرائيل إلى دولة عسكرية محصنة على غرار مدينة إسبرطة اليونانية.

ووصفت الافتتاحية الخطاب بأنه خطاب رجل "مطارد ومهزوم"، وأكدت أن مطلب نتنياهو واضح، وهو السيطرة التامة والكلية على الحكم دون أي عوائق بيروقراطية أو حدود قانونية أو عقبات سياسية، فوفق رؤيته، رئيس الوزراء وحده من يملك القرار في كل شيء، ولا أحد يمكنه إيقافه.

ولفتت هآرتس إلى أهمية استيعاب المغزى الحقيقي وراء كلمات رئيس الوزراء، فهو يحاول تخويف الإسرائيليين وإقناعهم بأنه لا يمكنهم إلا الاعتماد على أنفسهم أو عليه.

ولتحقيق ذلك، صوّر نتنياهو في خطابه دول الغرب على أنها أعداء لإسرائيل، مدعيا أن موجات من المهاجرين المسلمين غزتهم، وأن قطر والصين اخترقتا معاقلهم عبر حملات مؤدلجة وممنهجة على وسائل التواصل الاجتماعي، حسب الافتتاحية.

ونفت هآرتس هذه الفرضية بتهكم، قائلة إنه لا يوجد أي صلة بين خطاب نتنياهو "المهووس" والواقع، وإن الدول الأوروبية لم تنقلب ضد إسرائيل إلا بسبب سياسات حكومته المتهورة.

وحذرت من أن الاقتصاد معرض للانهيار إذا انعزلت الدولة عن العالم، فاقتصادها يعتمد على التصدير بشكل أساسي.

وعلى الصعيد الدولي، ذكرت هآرتس إدانات الاتحاد الأوروبي لحرب إسرائيل في غزة، والتهديدات بتعليق أجزاء من اتفاق التجارة مع إسرائيل، وهو أمر قد يتحقق خلال أيام.

وخلصت الافتتاحية إلى ضرورة إيقاف حملة الدمار التي يشنها نتنياهو في غزة، وإتاحة الفرصة للشعب للتعبير عن رأيه عبر إجراء انتخابات عامة مبكرة.