فلسطين أون لاين

​اعتُقلا بحثًا عن معلومات عن "كوماندوز القسام"

الصيادان "حسن ومحمد".. وقصتهما مع "الدبور"

...
غزة -يحيى اليعقوبي

يتجدد ذلك الموعد كل يوم، الأجواء هادئة، لا صوت ضجيج، فالناس هنا ما زالت تبصر إشراقة الصباح ببطء. اليوم هو الاثنين، السادس من نوفمبر/ تشرين الثاني 2017م، عقارب الساعة تشير إلى السادسة صباحا، أبحر الشقيقان الصيادان محمد (25 عامًا) وحسن (28 عامًا) مقداد على متن قاربهما "حسكة" إلى بحر غزة، وعلى بعد 4 أميال بحرية غرب ميناء مدينة غزة استقرا لأجل اصطياد الأسماك بواسطة الشباك "الغزل".

الحادية عشرة صباحًا، شارف الصيادان اللذان يحملان همًّا ثقيلًا بإعالة نحو 18 فردا في العائلة، على الانتهاء من عملهما، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان، فجأة بدأت قوارب الصيادين تبتعد عن المكان، الجميع انتبه لاقتراب زورق إسرائيلي نحوهما يطلق عليه اسم "الدبور".

كان الصيادان موقنين أنهما يبحران على بعد أربعة أميال بحرية أي بالمساحة المسموح لهم الصيد فيها وهي ستة أميال بحرية، ويقول حسن ساردًا ما جرى معه وشقيقه لصحيفة "فلسطين": "بدأ القارب الإسرائيلي بالاقتراب نحونا، طالبًا منا التوقف، ومهددًا بإطلاق النار الحي إذا لم نتوقف. حاولنا العودة إلى غزة لننجو من بطش الاحتلال وينجو معنا مصدر رزق العائلة الوحيد".

من قلب المطاردة

الاحتلال يطلق النار بشكل كثيف، المسافة الفاصلة أصبحت مترين، صوت يخرج من القارب الإسرائيلي ما زال يهدد: "وقِّف لأطخك براسك"، بدأت الخطورة على الحياة واضحة، "احنا بمنطقة مسموحة" قالها محمد للضابط بصوت مرتفع وبدأ بالإبحار، لكن جنود بحرية الاحتلال على متن القارب الإسرائيلي قاموا بإطلاق الأعيرة المطاطية نحو الشقيقين، أصيب محمد بخمسة أعيرة مطاطية وحسن بعشرة، ثم أطلق الاحتلال رصاصة حية على مفصل محمد وطلقات أخرى على محرك المركب. انتهت المطاردة، الدم بدأ ينزف من ساق محمد، هكذا كان حال المشهد الذي لم ينتهِ بعد.

طلب الضابط الإسرائيلي من الصيادين الشقيقين النزول في البحر، رد عليه محمد المصاب: "إذا نزلت بموت.. بأغرق"، بعنجهية أصر الضابط على نزوله: "إذا ما نزلتش حطخك براسك وموتك". رغم ساقه النازفة نزل محمد إلى المياه الزرقاء التي اختلطت باللون الأحمر في تلك البقعة التي امتلأت بدمائه، دون رحمة وشفقة من جنود قوات الاحتلال البحرية.

يُحدث محمد صحيفة "فلسطين" حول ما جرى بعد ذلك، ويقول: "كنت قد أوشكت على الغرق، فقام أحد الضباط برمي عجل وحبل تشبثت به وصعدت على زورق الاحتلال"؛ وفي القارب دار حوار بين الصياد المصاب وضابط الاحتلال.

محمد وهو مقيد اليدين يخاطب جنود الاحتلال: "ساقي تنزف.. أسعفها قبل أن يتصفى دمي"، قاطعه الضابط بصوت مرتفع: "اسكت لأخبطك على راسك"، مرة أخرى محمد ظن أن هناك ذرة إنسانية لدى الضابط الإسرائيلي: "أرجوك أسعف ساقي حتى تنحبس الدماء"، لم يكن هناك رد إلا الصمت من قبل الاحتلال وواصل محمد النزيف.

اعتقلت قوات الاحتلال الشقيقين محمد وحسن، وبعد ساعة ونصف وصلا إلى ميناء أسدود بعد أن نقلا على متن زورق كبير، ويكمل محمد: "تعاملت معنا قوات الاحتلال دون رحمة، رغم أننا كنا نبحر بالمساحة المسموحة لنا الصيد فيها".

تحقيقات وإهمال

"حسن" الذي قيدت يداه، وعصبت عيناه لم يدرِ عن مكان وجوده بعد أن فصلت قوات الاحتلال الشقيقين في ميناء أسدود، وظل بهذه الوضعية منذ ظهيرة يوم الاثنين وحتى الحادية عشرة ليلًا من ذات اليوم، وطيلة هذه الساعات وهو يتعرض لأسئلة وتحقيقات من قبل ضباط مخابرات الاحتلال، مجملها حول "الكوماندوز البحري" التابع لكتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس.

"هل يعطوكم أي شيء لتضعوه في البحر؟ أين يتدربون؟ ماذا يفعلون؟ كانت هذه أسئلة المخابرات الإسرائيلية التي رد حسن عليها بكلمة واحدة "بعرفش"، هدده الضابط بالحبس خمس سنوات إذا لم يتحدث، بصوت مرتفع حسن يرد مرة أخرى: "بقلك بعرفش.. أنا صياد شغلي الصيد بعرفش أي شيء تاني غير الصيد".

استفز الرد ضابط المخابرات مرة أخرى: "وطي راسك متعليش صوتك".. وظل يكرر هذه الأسئلة وهذا الجدال حتى يئس الضابط وأفرج عن حسن ليلًا.

وبالعودة إلى "محمد"، لم يختلف الإهمال الطبي عن الاعتداء وإطلاق الرصاص الحي، فرغم أن إسعاف الاحتلال وصل في الظهيرة إلى ميناء أسدود، إلا أنه وصل إلى المستشفى في الحادية عشرة ليلًا".

تأثرت قدم محمد المصابة بالرصاصة الحية بمفصل قدمه التي تعرضت للكسر وانحنت نتيجة طول الفترة التي استغرقتها عملية المماطلة بالعلاج، ورغم ما حدث معه إلا أنه بعزيمة وإصرار يطالب بتعويضه عن القارب الذي صارده الاحتلال حتى يعود لممارسة مهنة الصيد بعد أن يتماثل للشفاء ويعيل أسرته.