هناك مثل عربي فلسطيني, يقول: “الدار دار أبونا, وأجو الغُرُب يطحونا”! هذا المثل ينطبق على مضمون ما سأعلق عليه من تصريحات جديدة لنتنياهو! ذلك, لأن تجديد رئيس حكومة الاحتلال الصهيوني, في تصريحات له أطلقها في لندن, ونشرت منذ يومين، رفضه لإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة, هي رد من جديد, يضيفه إلى تصريحات كثيره له بنفس المضمون, على كل الحالمين والمراهنين على ما يسمونه: حل الدولتين! ليس هذا فحسب أيها المراهنون على السراب, بل إنه ساوى بين الغزاة المستوطنين في الضفة, المستجلبين من كل بقاع الدنيا, والذين لا صلة لهم بأرضنا, لا من قريب أو بعيد, وبين أهلنا من فلسطينيي 48. ذلك, برفضه إخلاء المستوطنين من الضفة الغربية المحتلة, بزعم أنه “يرفض اخلاء العرب من “أرض إسرائيل”.
كان نتنياهو قد شارك في نهاية الأسبوع الماضي, في ندوة في معهد الأبحاث “تشاتهام هاوس” في العاصمة البريطانية. وفي كلمته دعا إلى “إعادة النظر في النموذج الحديث للسيادة, والسيادة عديمة القيود, وهل هي قابلة للتطبيق في كل مكان في العالم؟” وحينما سئل عن إمكانية أن تقوم دولة فلسطينية, قال نتنياهو, “في الشرق الأوسط رأينا قدرا كبيرا من الدول التي فشلت. فحين تغادر قوة غربية, أو اسرائيلية, (مثلما رأينا في غزة), تستبدل على الفور بالإرهاب الإسلامي!”
وزعم القبيح السوبر عنصري والسوبر إرهابي, أن الاعتبارات الإسرائيلية “أمنية”, وقال: “إن شعار الأرض مقابل السلام, جيد, ولكن ليس الأرض مقابل الإرهاب”.
لقد انتقد نتنياهو مطالبة شعبنا بإخلاء المستوطنين وقال, “لماذا من زاوية نظر الفلسطينيين يتوجب إخراج اليهود من أجل السلام؟ هل احتاج لأن أخرج مواطنين عربا من إسرائيل مقابل هذا السلام؟”. ووصف نتنياهو المطالبة بالإخلاء بأنها “تطهير عرقي”. وكرر أسطوانته المشروخة التي كررها مرارا في الأشهر الأخيرة, عن موقفه الرافض لإخلاء المستوطنين من الضفة الفلسطينية المحتلة، وقد تبعه في هذا الموقف رئيس حزب “العمل” المعارض آفي غباي, وأيضا وزير الحرب السابق موشيه يعلون فقد سبق وأن قال الانتهازي نتنياهو في احتفالين أقامتهما حكومته الصهيونية, في الضفة الغربية المحتلة, بمرور 50 عاما على بدء الاستيطان فيها, إنه “لن يكون هناك أي اقتلاع لبلدات في أرض إسرائيل”. وفور ذلك أضاف, “لا يهودية ولا عربية”. وقال مستطردا: “هذه ليست فقط مسألة علاقة بالوطن. قبل كل شيء هو سبيل لصنع السلام. فليس السلام هو ما حصلنا عليه حين اقتلعنا من بلدات. إرهاب وصواريخ هو ما حصلنا عليهما, وهذا ما لن نكرره”. وأضاف أن “كل أرض تسقط في يد الإسلام المتطرف تصبح قاعدة دمار, عنف وموت. وعليه فإننا لن نعرض وطننا القومي للخطر”. وحسب مزاعم نتنياهو, فإنه في عدوان حزيران/يونيو عام 1967, “عادت إسرائيل إلى أرض الآباء والأجداد. ومعنى الأمر أننا جددنا التواصل التاريخي مع أرضنا, وهنا تكونت هويتنا”!
ليس أكثر من نتنياهو قدرةً على تزوير الحقائق, معتقدا أنه يتذاكى على السامعين أو القرّاء. مع أنه مكشوف, ولهذا فإنه في حقيقته يقطر غباءً, ذلك بافتراضه أن البشر مغفلون, وهذه حال كل الأغبياء. نتنياهو يزعم أن اليهود هم أصحاب الأرض الفلسطينية, ناسيا أو متناسيا أن يهود اليوم ليس لهم علاقة بيهود الأمس الفلسطينيين. هذا ما أثبته المؤرخان اليهوديان آرثر كوستلر في كتابه القيّم “بين يهود الأمس ويهود اليوم, القبيلة الثالثة عشرة”, وأثبته شلومو ساند في كتابيه” اختراع أرض إسرائيل” و”اختراع شعب إسرائيل”, وما أكد عليه المؤرخون اليهود: إسرائيل شاحاك, نورمان فلكنشتاين ونعوم تشومسكي… والقائمة طويلة من غيرهم: أرنولد توينبي, كاتلين كينون, إيتيل مينون وغيرهم. يساوي نتنياهو بين المهاجرين المستوطنين الغرباء, والمستوطنين الجدد في الضفة الغربية المحتلة من جهة, وأهلنا وشعبنا صاحب وأصحاب الأرض في منطقة 48!.
بالله عليكم ما الذي يربط بين هذا البولندي الأصول من ناحية أبيه, والأميركي من ناحية أمه كما كل ساكني فلسطين من المستوطنين الغرباء اليهود الصهاينة بأرض فلسطين العربية الأصيلة؟ يعتقد نتنياهو كما كل زعماء الحركة الصهيونية, قديمهم وحديثهم (وخططوا لذلك) أن مصير الفلسطينيين سيكون مثل مصير الهنود الحمر, وأنهم سيذوبون بعد عدة عقود, لذلك قالت جولدا مائير “الكبار يموتون والصغار ينسون”, وتمنى رابين “أن يصحو يوما ويكون البحر قد ابتلع غزة”. نسوا معدن شعبنا الأصيل, الذي هو بكل تواضع كالذهب والماس, كلما حككتهما ازدادا لمعانا وأصالة ووهجا. أثبت الزمن أن الأجيال الجديدة من الفلسطينيين, أكثر تمسكا بها من كل الأسلاف. أقسم أنك لو سألت طفلا فلسطينيا في كل عواصم الشتات عن هويته, لأجابك أنا فلسطيني من قرية الطيرة أو جلجولية أو كفر قاسم أو مسحة أو يعبد أو حيفا أو يافا أو القدس.. الخ. هذا هو معدن شعبنا الفلسطيني, نسوقه لكل المهاجرين الأغراب وزعيمهم الحالي نتنياهو.
بكل وقاحة يسمي نتنياهو اليهود شعبا, رغم أن اليهودية ديانة مثل الإسلام والمسيحية, فما دام لا يربط المسلم العربي بالمسلم الإندونيسي أو الباكستاني غير الدين, تماما كما تربط الديانة اليهودية بين اليهودي الروسي ويهودي الفلاشا الإثيوبي, مع فارق أن الديانة الإسلامية لا تفرّق بين المسلم والمسلم, وفقا لإثنيته بل وفقا لتقوى ربه, بينما يفرق الحاخامات اليهود بين اليهود الشرقيين (الحريديم) والغربيين (الأشكناز) وبين اليهود الأفارقة, بربكم أيّ دين محرّف هذا؟ في النهاية, نتوجه بالسؤال إلى نتنياهو المدّعي بأن الهوية اليهودية تشكلت في فلسطين “أرض إسرائيل”, فهل تعرف العناصر المشكّلة للهوية؟ نشك في ذلك, وإلا ما نطقت الذي قلته وسنعرّفك في مقالة قادة بافتقاد اليهود لأي عنصر من عناصر الهوية, ودليلنا, أنه حتى اللحظة, لم يتم تعريف من هو اليهودي في دولة الكيان. ختاما نقول: نتنياهو أنت غبي.