فلسطين أون لاين

سفرة الغداء الأخيرة.. حين ودّعت عائلة أبو دف الحياة قبل ساعات من المجزرة

...
سفرة الغداء الأخيرة.. حين ودّعت عائلة أبو دف الحياة قبل ساعات من المجزرة
غزة/ جمال غيث

في ظهيرة يومٍ هادئ، جمع الأب محمود أبو دف أبناءه وأحفاده حول مائدة الغداء، وكأن قلبه كان يعلم أن هذا اللقاء العائلي سيكون الأخير.

ضحكات ملأت المكان، وأحاديث اعتيادية تحوّلت فجأة إلى وصايا، لتصبح تلك السفرة البسيطة لحظة وداع مؤثرة لعائلة قُدر لها أن تُستهدف في جريمة جديدة من جرائم الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة.

فعند الساعة الرابعة فجرًا من يوم الأربعاء 13 أغسطس الجاري، أطلقت طائرات الاحتلال من نوع "أف-16" صاروخًا مدمّرًا على منزل عائلة أبو دف في حي الزيتون بجوار مسجد بلال بن رباح جنوب مدينة غزة، دون سابق إنذار. انهار المبنى المكوّن من أربعة طوابق فوق ساكنيه، مخلّفًا مجزرة بحق العائلة الممتدة.

يروي معتز أبو دف، نجل الشهيد محمود، لـ "فلسطين أون لاين" تفاصيل تلك الليلة بكلمات ترتجف بين الألم والذهول: "استيقظتُ على صوت الانفجار، انهار جدار غرفتي، ركضت فورًا من بيتي القريب باتجاه منزل العائلة. بين الركام والغبار، وقفت مذهولًا أصرخ: أبي.. إخوتي.. أمي.. لكن لا أحد يجيب."

سفرة وداع

يستعيد "معتز" تفاصيل اليوم السابق للمجزرة، حين دعاه والده لتناول طعام الغداء مع العائلة: "قال لي: تعال نتغدى سوا. كانت دعوة عادية، لكنها حملت دفئًا غريبًا. الجميع كان هناك، تبادلنا الضحكات والحديث، لكن فجأة تغيّر الجو، صاروا يتحدثون وكأنهم يوصونني بشيء، كأنهم يودّعونني دون أن يقولوا ذلك صراحة. لم أكن أعلم أنها الوجبة الأخيرة.. اللقاء الأخير."

حتى ملامح العائلة كانت تحمل إشارات لم يفهمها معتز إلا بعد وقوع الكارثة: "شقيقي عبد الرحمن، قبل يوم من المجزرة، كان يلبس الأبيض، جلس أمام المنزل يسلّم على الجميع بابتسامة مميزة. والدي كان يحتضن الجيران وكأنه يودّعهم. كان هناك سلام داخلي غريب في وجوههم."

ويشير إلى أن الصاروخ استهدف الطابقين الأول والثاني مباشرة. ورغم أن المنزل تضرر سابقًا في قصف يوم 31 أكتوبر 2023، ما أدى حينها إلى استشهاد 6 من أفراد العائلة، فإنهم عادوا لاحقًا للإقامة في الطوابق الأقل تضررًا بعد انسحاب قوات الاحتلال، رافضين مغادرة غزة رغم كل المخاطر.

ومع بزوغ فجر 13 أغسطس الجاري، ارتقى 11 فردًا من العائلة، بينهم والده محمود أبو دف، فيما أصيبت والدته بحروق متوسطة. كما ارتقت شقيقاته مرح وديما وياسمين وابنها الطفل محمد، ليلتحقوا بوالده الذي استشهد في قصف 31 أكتوبر 2023. ولا تزال شقيقته الأخرى وطفلها تحت الركام، إذ لم تتمكن فرق الإنقاذ من انتشالهما بسبب خطورة المكان واستمرار القصف.

5854700943629731638.jpg

 

ويكمل معتز: استشهد شقيقه عبد الرحمن وزوجته الحامل في شهرها السابع وطفلتهما سارة، إضافة إلى شقيقه الأكبر أحمد وطفلته تالين وابنه أيسم، بينما أصيبت شقيقته انتصار بحروق خطيرة، وأصيب ابن شقيقه محمود أحمد أبو دف بحروق متوسطة.

ذاكرة لا تموت

لم تكن هذه المرة الأولى التي تستهدف فيها العائلة؛ ففي هجوم 2023 استشهد مجدي أبو دف (36 عامًا) وأولاده أحمد (14 عامًا) وهارون (8 أعوام)، إلى جانب محمود حسان (ابن خالة معتز) وعز الدين أبو دف، كما استشهد ابن عمه بيان أبو دف (31 عامًا) بعد انهيار كتلة إسمنتية عليه أثناء نومه.

بعد النزوح المؤقت، حاولت العائلة ترميم حياتها ولو بالحد الأدنى في طابق أرضي متهالك، لكن يد القتل لم تتركهم.

ويتساءل حامد مهدي، ابن خالة معتز، بصوت يملؤه القهر: "لماذا يُستهدف منزل يضم نازحين مدنيين؟ أين ضمير العالم؟ خالي وعائلته لم يشكّلوا خطرًا على أحد.. كانوا فقط يحلمون بالحياة."

اليوم، يعيش معتز أبو دف كمن كُتب له أن يبقى شاهدًا حيًا على الفاجعة، بعدما دفن معظم أفراد عائلته في قبور جماعية بمقبرة المستشفى الأهلي العربي المعمداني. ويقول بحزن: "أقف كل يوم أستحضر مشهد الدماء، وأشعر أن أرواحهم ما زالت هناك تنتظر من يسمع قصتها."

المصدر / فلسطين أون لاين