شهدت الساعات الماضية تطورًا لافتًا في المشهد الأمني داخل قطاع غزة، بعد تسليم عدد من عناصر ميليشيا "أبو شباب" أنفسهم للمقاومة، في ظل اتهامات واسعة بتورط هذه المجموعة في التعاون مع الاحتلال وارتكاب أعمال تهدد الأمن الداخلي خلال الحرب.
وتُعدُّ عملية التسليم ضربةً معنوية قوية لما تبقّى من هذه المجموعة؛ إذ أظهرت هشاشة بنيتها وتراجع الثقة بين عناصرها، خاصة بعد مقتل قائدها العميل ياسر أبو شباب. كما كشفت عن تفكك داخلي واضح في صفوف من تبقّى من أفرادها، مع اتساع دائرة التذمر والخوف من المحاسبة الشعبية والمقاومة.
ويعكس هذا التسليم الطوعي كذلك فقدان الغطاء أو الدعم المحتمل الذي كانت تحظى به هذه الميليشيا، سواء من جهات أمنية إقليمية أو شبكات تمويل مشبوهة، كانت تستهدف تقويض وحدة الجبهة الداخلية في غزة.
ومن جهة أخرى، تعزّز هذه الخطوة هيبة الأجهزة الأمنية التابعة للمقاومة، وتبعث برسالة واضحة مفادها أن زمن الإفلات من العقاب قد انتهى، وأن المصالحة المجتمعية لا تعني التستر على الخيانة أو زعزعة الصف الوطني.
كما تؤكد حالة التسليم وجود تحوّل في المزاج الشعبي داخل غزة، الذي بات يلفظ كل من تواطأ مع الاحتلال أو تورّط في ضرب الأمن والاستقرار خلال الحرب.
انكشاف استراتيجي
أكد رئيس معهد فلسطين للدراسات الاستراتيجية، رامي الشقرة، أن تسليم عدد من أفراد ميليشيا "أبو شباب"، وآخرين ممن ارتبطوا بقنوات مع الاحتلال، أنفسهم لأجهزة أمن المقاومة، يمثل لحظة انكشاف استراتيجي لبنية الاختراق التي حاول العدو ترسيخها داخل المجتمع الفلسطيني.
وقال الشقرة في تصريح لـ "فلسطين أون لاين": "هذا التطور يعكس انتقالًا نوعيًا من هامش الارتباط بالاحتلال إلى مركز الشرعية المقاومة، التي باتت المرجعية الحاكمة في ضبط المجالين الأمني والاجتماعي داخل غزة"، مشيرًا إلى أن ذلك يعزز صورة المقاومة باعتبارها المصدر الوحيد للسيادة والأمن الوطني.
وأضاف أن هذه الخطوة تعبّر عن تآكل قدرة الاحتلال على حماية أدواته المحلية، مقابل صعود الهيبة السيادية للمقاومة، التي أصبحت الجهة الوحيدة القادرة على إدارة الانحرافات الفردية ضمن إطار "العدالة الثورية المنضبطة".
وأوضح أن الرسالة التي تحملها هذه التطورات واضحة، وتتمثّل في أن زمن الازدواجية انتهى، وأن المشروع الوطني لم يعد يسمح بأي مساحات رمادية يمكن استثمارها ضد المجتمع الفلسطيني، معتبرًا ما جرى تثبيتًا لمعادلة حكم جديدة تعيد هندسة الجبهة الداخلية وترسّخ المقاومة مركزًا للقرار الأمني والوطني.
وأشار رئيس معهد فلسطين للدراسات الاستراتيجية إلى أن نهاية هذه الميليشيات باتت وشيكة لأسباب ثلاثة:
أولًا، فقدان الاحتلال القدرة على حمايتها، وثانيًا، استمرار فعل المقاومة مرجعيةً أمنية عليا، وثالثًا، تحوّل المجتمع نفسه إلى حاضنة رافضة، وهو ما بدا واضحًا في ردود الفعل الشعبية عقب مقتل ياسر أبو شباب.
ولفت إلى أن تعامل المقاومة في هذه المرحلة سيجمع بين الاستيعاب المشروط والردع الصارم، بما يؤدي إلى تفكيك الظاهرة تدريجيًا، وتحويلها من تهديد محتمل إلى ورقة مكشوفة ومتحكَّم بها.

