يرى العقيد (احتياط) الدكتور حنان شاي أن أحداث السابع من أكتوبر لم تكن نتيجة خطأ موضعي أو تقدير استخباري خاطئ، بل جاءت نتيجة انهيار طويل الأمد في العقيدة القتالية للجيش الإسرائيلي، بدأ منذ مطلع الألفية الثالثة، عندما تحوّل الجيش الإسرائيلي من جيش مناورة هجومية إلى جيش يعتمد أساسًا على الردع والنيران بعيدة المدى.
وفي مقال تحليلي نُشر اليوم الأحد على موقع "القناة7"، أشار شاي إلى أن العقيدة العسكرية الإسرائيلية الأصلية كانت تستند إلى "القضاء على التهديدات خارج الحدود عبر حروب وقائية حاسمة"، إلا أن هذا النهج تآكل تدريجيًا، خاصة بعد الانسحاب من جنوب لبنان وغزة، وتبني ما وصفه بـ"وهم الردع بالنيران الذكية"، دون القدرة على الحسم الميداني.
بحسب شاي، أدى تركيز الجيش على النيران البعيدة والاستخبارات إلى تراجع مهارات القيادة والمناورة الميدانية، وتحول التفكير العسكري إلى عملية بيروقراطية تستند إلى "بنوك أهداف" بدلًا من فهم منظومة العدو وهزيمتها ميدانيًا. ويرى أن هذا التحول أضعف قدرة الجيش على خوض معارك حاسمة، وخلق فراغًا استراتيجياً استغله الخصوم في غزة ولبنان.
ويضيف أن الفشل في حرب لبنان الثانية عام 2006، وعدم تنفيذ توصيات لجان التحقيق اللاحقة، خاصة لجنة فينوغراد، أسهم في ترسيخ هذا التوجه العقيم، ما مهد الطريق أمام مفاجأة 7 أكتوبر، عندما نجحت حماس في اختراق الحدود ومهاجمة التجمعات الإسرائيلية بجرأة غير مسبوقة.
يؤكد شاي أن التهديد كان معروفًا، ومذكورًا في تقارير استخبارية، مثل وثيقة "أسوار أريحا"، مشيرًا إلى أن غياب العمق الحدودي والاعتماد على "الدفاع داخل الأراضي الإسرائيلية" ترك مستوطنات الجنوب مكشوفة لأي هجوم مباغت، في غياب قدرة على الردع الفعّال أو المناورة السريعة.
يرى شاي أن الإخفاق لا يقتصر على الجانب المهني، بل يتجاوزه إلى الفشل الأخلاقي، إذ اعتبر الامتناع عن إزالة التهديدات المعروفة مسبقًا، "سلوكًا يُشبه التواطؤ مع الخطر"، ويشكل خرقًا للواجب الأخلاقي المتمثل في حماية الحياة وفق القانون الأساسي الإسرائيلي.
ويخلص إلى أن ما جرى هو "انهيار عقائدي ومهني طويل الأمد"، وأن تصحيحه يتطلب إعادة بناء جذرية للعقيدة القتالية، تبدأ بإعادة الاعتبار للمناورة البرية والتفكير العسكري الاستراتيجي، كما أشار إلى أهمية إعادة فتح مراكز التدريب المغلقة منذ التسعينيات كمؤشر على إدراك القيادة لهذا الخلل.
كارثة 7 أكتوبر، في نظر شاي، ليست نتاج غفلة لحظية أو خطأ استخباري، بل نتيجة تراكمية لعقود من الانحراف العقائدي والمهني داخل الجيش الإسرائيلي، وهو ما يجعل معالجتها أكثر تعقيدًا من مجرد تغيير في الوجوه أو التكتيكات.

