فلسطين أون لاين

#رسالة_قرآنية_من_محرقة_غزة

*﴿إِلَى المَسجِدِ الأَقصَى الَّذي بارَكنا حَولَهُ﴾*    الإسراء1

المسجد الأقصى، قبلة الأنبياء ورمز النبوة، هو قلب فلسطين النابض، وعنوان الصمود والرباط، حيث يُكتب المجد بأرواح الشهداء ودماء الغزاويين الطاهرة، الذين يضحّون بدمائهم من أجل أن تبقى رايته خفاقةً، وصوته أسمى من كل طغيان وظلم، في مواجهة فاشية المحتلين وحملات التهويد، فالأقصى ليس مجرد حجارة وأرض، بل روح الأمة ووجدانها، هو وعد الله لمن صبر وثبت، حيث يُقتل الدجال، وينزل عيسى، ويُقام العدل، وهو مهبط المعراج ومنبر التحرير الذي لا يموت، فغزة اليوم بمقاومتها الملحمية ترسم الطريق نحو الفجر، تغرس دمها في قناديل الأقصى، وتحميه بروح لا تموت، لأن في تحريره خلاص الأمة، وفي الدفاع عنه حياة الإيمان، وبقاءه شرف لا يُباع ولا يُهدى، بل يُدفَع عنه بالملايين من الأرواح الزكية، والقلوب المشتعلة بحب الأقصى والقدس.

المسجد الأقصى، لا تُشدّ الرحال إلا إليه مع أخويه، وهو ثاني مسجدٍ في الأرض، ورمز النبوة على أرض فلسطين، وقبلة الإسراء، وفيه إمامة الأنبياء واستلام الراية، ومنه كان منطلق المعراج إلى سدرة المنتهى. إليه يُغرس عمود الدين، وجنوده خير أجناد، ففي الحديث: "فعليك بالشام، فقد تكفّل الله لي بالشام وأهله". الأقصى هو أرض الطائفة المنصورة، الذين لا يضرهم من خذلهم، ولا ما أصابهم، وهم على الحق، وأهله في رباطٍ إلى يوم القيامة، بل هو خير رباط، فقد قال ﷺ: "خير رباطكم عسقلان". وهو عاصمة دولة الحق والعدل القادمة، وأرض المحشر والمنشر، وهو أرضٌ لا يعمّر فيها ظالمٌ، ولا يكون لمنافقيها علوٌّ على مؤمنيها، وفيها يُقتل الدجال، وينزل عيسى عليه السلام، ويؤمّ المهدي جموع المؤمنين.

المسجد الأقصى هو عنوان المعركة، التي يخوضها سدنة الأقصى، وتقدّم غزة على مدار الساعة آلاف الشهداء والجرحى والأسرى، طيبةً راضيةً، فداءً للأقصى. وحين دشّنت غزة "طوفان الأقصى"، جعلته عنوانًا، فكان الأقصى رمز المعركة المعاصرة، كما كان عبر كل المراحل السابقة، منذ أن حرّره رسول الله ﷺ في الإسراء، ثم أكّد الفاروق رضي الله عنه هذا التحرير باستلام مفاتيحه، وحرّره من بعده كوكبةٌ من {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} \[الأحزاب: 23].

من غزة المحترقة، النابضة بالمقاومة، المثقلة بالوجع والألم والدماء والحزن والفقد والجوع والعطش والمرض، من غزة المرابطة على تخوم الأقصى، غزة التي حملت على عاتقها عبء التحرير، وتقدّم الدماء غزيرةً على هذا الطريق الطويل الشائك، لا أراكم إلا سدنة الأقصى، وقد حزتم خير الدنيا وما فيها، ولا أراكم إلا تجسيدًا لحديث النبي ﷺ: "يكادُ المرابط بشطن فرسه يرى منه المسجد الأقصى، خيرٌ من الدنيا وما فيها".

ولا أراكم تسرجون الأقصى زيتًا في قناديله، بل تسرجونه دمًا، بعشرات آلاف الشهداء، وتصدحون بكلمتكم عاليًا: "إن لم نكن نسكن القدس والأقصى، فإنه يسكن سويداء قلوبنا، والأقصى نفديه بأرواحنا". وقد دشّنتم "طوفان الأقصى"، وقدّمتم للأقصى عربون الوفاء: مئات الآلاف من الشهداء والجرحى والأسرى، على طريق القدس، طيبةً راضيةً نفوسكم، نعاهم وبكاهم رسول الله ﷺ، إنهم أربعون ألفًا، وفي روايةٍ خمسون ألفًا، وفي ثالثةٍ سبعون ألفًا: "شهداء مقبرة عسقلان".

غزة تدشّن، عبر طوفان الأقصى والمحرقة، ملامح الملحمة الكبرى، على الأرض المقدسة، التي جاءت فيها البشائر تترى، والتي تحمل البشرى العظمى بالقضاء على إفساد وعلوّ بني إسرائيل، كمرحلةٍ أولى نعيشها اليوم: {لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ} \[الإسراء: 7] كمقدّمةٍ لمرحلةٍ قادمة، عنوانها "الصلاة في المسجد الأقصى"، رمز المعركة المعاصرة: {وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ} \[الإسراء: 7] كما كان الحال في كل المراحل السابقة، منذ أن حرّره رسول الله ﷺ في الإسراء، ومنه انطلق كبوابة السماء إلى المعراج، ثم زينه صلاح الدين بالمنبر، ليكون رمزًا للتحرير. وأبشّركم أنه في عام 2012، جهّزت غزة منبر الأقصى ليوم تحريره القريب والحتميّ.

وفي الوقت الذي يئن فيه غزة تحت نيران الاحتلال، يواصل المستوطنون وجيش الاحتلال عدوانهم على القدس والأقصى، محاولين طمس التاريخ وتهويد الروح. لقد انطلقت عجلات مشروع "E1" نحو القدس الكبرى، لربط مستوطنة معاليه أدوميم بالمدينة، وفصل شمال الضفة عن جنوبها، وتهجير التجمعات البدوية، وتحويل قلب فلسطين إلى كيان استيطاني يفرض السيطرة الكاملة على مقدساتها وأرضها. القدس والأقصى ليستا مجرد حجارة وأماكن، بل روح الأمة ووجدانها، وحين يحاول المحتل تهويدهما وطمسهما، يكون الفلسطينيون على أهبة الصمود، يصدّون العدوان بالوعي والصبر والمقاومة، محافظين على الوعد الإلهي والحق التاريخي، ليبقى الأقصى قبلة الحرية وراية النصر، مهما حاولت الأطماع البشرية تغييب الحقيقة.

الأقصى في خطر، يدنّسه كل لحظةٍ قطعان المستوطنين، ويعبث فيه الفاشيّ المجرم بن غفير، ويتعرّض للتهويد، والتهديد بالتدمير، ومحاولات إقامة الهيكل المزعوم، وفرض التقسيم الزماني والمكاني. وقد أوصاكم نبيّكم وقائدكم ﷺ به، فقال: "ائتوه فصلّوا فيه، فإن لم تستطيعوا، فأرسلوا زيتًا يُسرَج في قناديله". واليوم، على طريق القدس، نسرجه بالدماء والأشلاء، بالشهداء والقادة، بمواكب العلماء والأئمة وحفظة كتاب الله تعالى.

القدس والأقصى يسكنان سويداء قلوبنا، والأقصى حقّنا، نفديه بأرواحنا، وسنبقى على عهد الأقصى والقدس، فاتحين، أو شهداء، بالملايين.

المصدر / فلسطين أون لاين