أحيانًا تصبح أسماؤنا مضللة، وليس لنا منها نصيب، فالقبيح لا يصبح جميلا لمجرد أنه يحمل اسما مشتقًا من الجمال وكذلك الطويل والكريم والشجاع!
ورئيسة وزراء بريطانيا؛ بريطانيا التي كانت ذات يوم إمبراطورية ثم غابت عنها الشمس، لم تعتذر عن وعد بلفور ولم تصمت أيضًا وهذا أضعف الإيمان، ومعنى ذلك أن الأمر لو كان بيدها لأعطت وعودا أخرى يحتل بموجبها الوطن العربي من الماء إلى الماء أو بمعنى أدق من الدم إلى الدم.
إنها ليست الام تيريزا، النموذج الانساني الارقى في عصرنا، فالسيدة الجليلة كرّست حياتها ومنحت عمرها للأشقياء في القارات المنكوبة، وتذوقت اطعمة الفقراء واعترتها القشعريرة في اكواخهم العارية، وانتقلت اليها العدوى من امراضهم، لكنها قبضت على الجمر وواصلت حتى الشيخوخة دورها الادمي والحضاري، وكأنها تعتذر عن كل ما الحقه المستعمرون بضحاياهم، لهذا كانت الامومة وليست الام فقط، وما من احد التقى بها الا وانحنى ليقبل يدها، مقابل تيريزا الام هناك تيريزا زوجة الأب الأنجلوساكسوني الذي اخذته العزة البيضاء بالإثم الأسود ولو صمتت حفيدة بلفور لكان ذلك اكرم لها رغم ان الصمت في مثل هذه المواقف تواطؤ وقبول ومشاركة!
قرن من التهجير والتنكيل والاقتلاع من الجذور، ومشهد مئات الروايات والافلام التسجيلية والرصد لأكبر تراجيديا في التاريخ المعاصر لم يغير من موقف الامبراطورية السابقة بحيث تعتذر لاستعادة اعتبارها الاخلاقي.
لكن بريطانيا شأن كل البلاد والعباد في هذا الكوكب ليست طوني بلير او انطوني ايدن او اللورد كرومر أو اللورد بلفور، إنها بريطانيا شكسبير الذي ادرجه من ينعمون بوعد بلفور في قائمة اعداء السامية بسبب مسرحيته تاجر البندقية ودور التاجر المرابي شايلوخ!
وهي بريطانيا هارولد بنتر الذي تظاهر تحت المطر وهو مريض احتجاجا على احتلال العراق، وبريطانيا الفنانة ريدغرف التي سمت فلسطين باسمها، وبريطانيا غلاوي والأكاديميين الذين قاطعوا إسرائيل، وأخيرًا بريطانيا من جاؤوا إلى القدس على الأقدام ليعتذروا!