فلسطين أون لاين

​دليل نضجٍ والرد واجب

الاستعداد السابق يخرجك من مأزق "الأسئلة الوجودية" للأطفال

...
غزة - ياسمين النعيزي

كثيرة هي الأسئلة الوجودية التي يفاجئنا بها الصغار, والتي نقف أمامها حيارى, فبعضها نتمكن من الإجابة عنه بطريقتنا، وبعضها يصدمنا ولا نعلم كيف خطر لعقل طفل, أيًا كان ردّ فعلنا في لحظة سماعنا للسؤال، فهذا لا ينفي أن هذا النوع من الأسئلة يوسع معرفة الأطفال, وأن عقولهم إن لم تجد لدينا الإجابة الشافية لفضولهم الواسع، فستأخذهم للبحث عن الإجابات المنطقية من مصادر أخرى.

"شو بياكل؟"

تتحدث "نسرين حماد" عن قصتها مع طفلتها المشاكسة "رنا" حين سألتها "الله شو بياكل؟", تقول: "طفلتي في سن الخامسة, لكنني ألتمس فيها ذكاء عاليًا, لذلك شرحت لها ما أفهمه عن كون الله تعالى منزه عن كل نقص، وأن الله كامل ولا يحتاج للطعام ليقويه".

وتضيف: "حاولت أن أفسر لها فكرتي عن النقص والكمال, وسألتها إن كانت قد فهمت ما قلته لها, فردّت بالإيجاب", متابعة: "أنا أشك أنها فهمت كلامي بالفعل, ومع ذلك أنا متأكدة أن إجابتي قد علقت في ذهنها، وحين تكبر ستتذكرها وتفهمها جيدًا, فأنا فضلت أن أشرح لها, لا أن أسكتها، لكي لا تخاف من الأسئلة".

بعد الموت!

أما "أم أحمد السرحي" فقد كان لها موقف مختلف مع طفلها الفضولي "عدي" الذي سألها عن طفل يعرفه قد توفاه الله في حادث سير، حيث سألها: "أين ذهب بعد الموت؟"، فأجابته: "راح على الجنة إن شاء الله", لكن طفلها لم يكتفِ بالإجابة، بل تبعها بسؤال آخر: "وين مكان الجنة؟", فأخبرته أنها في السماء, فتابع سلسلة أسئلته: "وكيف صعد إلى السماء؟", فأجابته: "لم يصعد هو، بل صعدت روحه".

عند حديثها عن الروح, فورًا طرح عدي سؤالًا جديدًا، وكأنه "روبوت" مبرمج إلكترونيًا لكي لا يتوقف عن الأسئلة, كان سؤاله هذه المرة عن "الروح", ولكن هنا كانت والدته قد استنفدت معرفتها، ولم تسعفها بساطة معلوماتها بالرد على ابنها بإجابة شافية، فكان آخر كلامها معه في هذا الموضوع أنها ستخبره عندما يكبر.

حتى لا يسألوا غيري

"أم خالد السويركي" تقول: "حين يطرح عليّ أطفالي أسئلة وجودية، أحاول أن أقدم لهم إجابات واضحة بقدر ما أستطيع, وكذلك أبذل جهدا في تبسيط الإجابة لكي يقتنعوا بها مني, ولا يضطروا لسؤال أحد آخر، فإجابات الغير ليست مضمونة، لأني لا أعرف من سيسألون من خارج البيت".

ومن أمثلة الأسئلة والإجابات التي تقدمها: "حين يسألني طفلي لماذا ماتت قطتي, أجيبه لأن الله يحبك, فربما إن عاشت كان سيصيبها مرض معدٍ ينتقل لك ويضرّك, أو أن الله لا يريدك أن تراها مريضة وتتألم".

مهمّة للتكوين المعرفي

الاختصاصية النفسية سمر قويدر تقول إن الأسئلة الوجودية التي يطرحها الطفل طبيعية جدًا ولا ينبغي أن يقابلها الأهل بالغضب أو الضرب أو بتأجيل الإجابة عنها, بل لا بد من التفرغ للطفل لتقديم الإجابة له، حتى لا يؤثر ذلك في بنائه العقلي والمعرفي والإدراكي, وهذه الأسئلة هي دليل على أنه وصل إلى بداية بناء هذه الجوانب.

وتضيف لـ"فلسطين": "الله, والموت, والجنة, والنار, كلها أمور يعرفها الطفل بمسماها دون أن يعي ماهيتها, ومن الطبيعي جدًا أن تثير فضوله، خاصة إن كان صاحب مخيلة واسعة, وغالبًا ما تثير مخيلته الغيبيات التي يسمع عنها دون أن يراها أيًا كانت".

وتتابع: "هذه الأسئلة والإجابة عنها بطريقة صحيحة تساهم في التكوين الصحيح للمعرفة والإدراك لدى الطفل".

الاستعداد السابق

وعند سؤالها عن ما يترتب على الطريقة الخاطئة في الإجابة عن مثل هذه الأسئلة, تجيب قويدر: "الإجابة الخاطئة قد تهز ثقة الطفل بأمه, خصوصًا لو أدرك أنها لا تجيبه بطريقة صحيحة, وهذا متوقع من الأطفال، فبعضهم لديه ذكاء حاد لا يستهان به"، محذّرة من أن الإجابة الخاطئة قد تدفع الطفل للجوء لمصادر معلومات أخرى ليرضي فضوله، وربما يختار مصادر مشكوكًا بها وهنا قد تكون بداية الخراب والتأسيس الخاطئ.

ولعدم الوقوع في هذا الخطأ، تنصح قويدر: "على الأهل أن يبحثوا عن الأسئلة المتوقعة للأطفال، ليتثقفوا بشأنها، ومن ثم يستعدوا لإجابة تساؤلات أبنائهم بطريقة واعية مبسطة".

ولتبسيط الأمر، تضرب قويدر مثالًا للإجابة الصحيحة عن سؤال الأطفال: "لماذا خلق الله الأغنياء والفقراء ولم يخلقنا كلنا نملك المال؟".

توضح: "هنا يجب أن نستقي مثلًا من الواقع, كالامتحانات التي تعقدها المدارس كل عام, ونسألهم (ألسنا نقدم كل سنة امتحاناً مختلفًا, يورد فيه الأستاذ أسئلة تناسب جميع المستويات؟), ثم نشبّه حالة الغنى والفقر بالاختلاف الموجود في الامتحانات، فنخبر الطفل أنه بسبب اختلاف المستوى فقد جعل الله للغني أسئلة إضافية، كزكاة المال, ففي الوقت الذي فُرضت فيه على الأغنياء الذين قد ينجحون فيها وقد يرسبون وقد تتفاوت درجاتهم, يكون الفقير قد حصل على الدرجة الكاملة في الزكاة, وهكذا يتحقق العدل الإلهي مع الغني صاحب الرفاهية والذي تزيد اختباراته في هذه الحياة لأجل دخول الجنة".