فلسطين أون لاين

تقاعد مبكر ومخاطر متأخرة

دراسات لا حصر لها تحذر من مخاطر غياب الأمان الوظيفي لدى الموظفين لأنه يكون أشد خطرا في بعض الأحيان من الأمراض الفتاكة، عوضا عن تراجع الأداء والإنتاج لدى من تساوره الشكوك في إمكانية بقائه على رأس عمله، وهذه الحالة تصيب عادة موظفي القطاع الخاص وخاصة في المجال الاقتصادي، أما الوظيفة العمومية فالأصل أن تضمن الأمان الوظيفي بما في ذلك الحفاظ على كافة حقوقه.


عندما تتم إحالة الآلاف من موظفي السلطة الفلسطينية إلى التقاعد المبكر بشكل مفاجئ ماذا نتوقع أن تكون الحالة النفسية لمن لم تتم إحالتهم إلى التقاعد بناء على الدراسات التي أشرنا إليها؟ أعتقد أنهم سيدخلون في دوامة من الهوس أكثر ممن فقدوا وظائفهم، وستصبح المؤسسات في حالة يرثى لها.


في فلسطين فقط يصبح المواطن موظفا ويمسي متقاعدا، وهنا تبدأ معاناة من نوع جديد قد تكون أشبه بوقوع مفاجئ في بئر عميقة. الموظف الحكومي لم يبلغ يوما أنه قد يحال إلى تقاعد مبكر بل ومبكر جدا، أسوأ ما في التقاعد المبكر أنه يحرم الموظف من 30% من راتبه علما بأن كامل الراتب يكاد لا يكفي المصاريف الشهرية.


هناك أسئلة كثيرة تتبادر إلى الذهن حول هذا الموضوع؛ ما هو سبب إحالة الآلاف إلى التقاعد المبكر ؟ هل من أجل حل مشكلة الترهل الوظيفي أم أنها لأسباب سياسية حزبية ؟ هل سيتم طرد آلاف وتوظيف آلاف آخرين ؟ ماذا سيحل بالمجتمع الفلسطيني جراء هذه السياسة؟


أعتقد أنه لا بد من التراجع عن قرار خصم أي نسبة من رواتب المحالين إلى التقاعد المبكر، وإلا فمن سيتحمل مسؤولية العجز في سداد القروض البنكية والديون المتراكمة ؟ من سيتحمل مسؤولية حرمان الطلبة من إكمال تعليمهم الجامعي لعجز ذويهم عن الاستمرار في دفع التكاليف؟ من سيتحمل مسؤولية مضاعفات الخصم من الرواتب والتي لا يعرف أبعادها إلا من مر بهذه التجربة القاسية.


أقولها باختصار، دون مبالغة، إن قضية الموظفين يجب أن تعالج بحكمة وبالسرعة الممكنة، وقبل أن تتجاوز مخاطرها دائرة المتضررين المباشرين إلى المجتمع كله