عبر رحلات هجرة عكسية يومية تنطلق من موانئ حيفا وعسقلان و(هرتسيليا) يفر مئات المستوطنين يوميًا -كما كشفت صحيفة "هآرتس"- من جحيم الحرب مع إيران التي تستهدف دولة الاحتلال بالصواريخ الباليستية وتحدث دمارًا هائلاً تجعل الإسرائيليين يعيشون في الملاجئ على مدار الوقت.
وأوقفت الضربات الإيرانية عجلة الحياة في كافة المجالات بـ(إسرائيل) وأغلقت المطارات وأوصدت أبواب المعابر، ولم يجد المستوطنون سوى اليخوت والقوارب التي جاء معظمهم فيها إبان الاحتلال كوسيلة متاحة للهرب.
وتعيد مشاهد الهجرة عبر اليخوت والقوارب، الأذهان لصورة وصول المستوطنين لاحتلال فلسطين في القوارب عبر البحر إلى فلسطين عام 1948، ليفر بعضهم بالطريقة نفسها التي جاؤوا بها وهم يجرون حقائب الرحيل، ويتكرر المشهد بطريقة عكسية، ليضرب "الرواية الصهيونية" التي تروج ليهود العالم أن فلسطين هي المكان الآمن لهم، لتتحول لبيئة طاردة مع استمرار الهروب وسقوط الصواريخ الإيرانية.
ومع بداية الحرب العدوانية على إيران، أغلقت (إسرائيل) مجالها الجوي، ونقلت سرا عشرات الطائرات المدنية إلى الخارج، مما جعل ملايين المستوطنين عالقين في مواجهة الصواريخ الإيرانية التي أسفرت عن قتلى وجرحى في صفوفهم وأضرار مادية كبيرة في مواقع مختلفة، والذي يفسر كنوع من تقييد الحركة بذريعة "الحماية" وهو ما يعتبره مراقبون، خوف حكومة الاحتلال من فرار أعداد كبيرة.
وتحولت الموانئ في مدن حيفا وعسقلان و(هرتسليا)، إلى نقطة مغادرة لمئات من عائلات المستوطنين، مع توافدهم منذ ساعات الصباح وهم يجرون حقائب الرحيل بحثا عن يخت ينقلهم إلى جزيرة قبرص ومنها إلى وجهات أكثر أمانا، كما انتشرت مشاهد لمغادرة إسرائيليين عبر سيناء إلى القاهرة.
وتكشف ارقام لدائرة الاحصاء الاسرائيلي مغادرة 82 ألف و700 مستوطن عام 2024 ويتوقع أن يتضاعف العدد في حال استمرت الحرب مع إيران بهذه الضراوة، كما كشفت شركة "سي ماركتنغ" أن نحو 40% من المستوطنين الذين ما زالوا في دولة الاحتلال يفكرون في المغادرة.
تداعيات كبيرة
ويقول الخبير في الشأن الإسرائيلي عادل شديد أنه لا توجد معلومات كافية حول موضوع أعداد المهاجرين منذ بدء الحرب مع إيران، باستثناء ما يتم تسريبه في مجموعات "واتساب" وما نشرته صحيفة "هآرتس" بأن هناك شريحة إسرائيلية مقتدرة ماليًا تحمل جنسيات أخرى ليست حاجة لفيزا وتأشيرة في ظل إغلاق المعابر والمطارات لا تستطيع تحمل أجواء الحرب، غادر جزء منهم لمصر ثم أوروبا وجزء آخر عبر اليخوت والقوارب إلى قبرص.
وأكد شديد في حديثه لـ "فلسطين أون لاين" بأن الحرب الحالية مع إيران ثقيلة على المجتمع الإسرائيلي وانها تأتي بعد 20 شهرا من الحرب على غزة، ويعيش حالة إنهاك وتعب، كما أن تأثيرات الحرب مع إيران أكبر مما هو عليه الحال بغزة، بحيث صاروخ واحد يحدث ما كان يحدث 100 صاروخ من غزة.
ويعتقد أنه طالما كسر الحاجز وهناك مجموعات تهرب وترحل فهذا سيشجع آخرين، وأضاف: "بالعادة يكون الإشكالية في المرحلة الأولى حينما يتم كسرها ونرى مجموعات تنطلق وتهاجر فهناك مجموعات أخرى تنضم إليها، وقد تعود تلك المجموعات بعد نهاية الحرب".
ومن جانب آخر، رأى أن هروب المستوطنين من الحرب إلى أوروبا يشكل أزمة للاحتلال ومشروعه الصهيوني، فبعدما كان يريد تحويل الأراضي المحتلة لمنطقة جاذبة ليهود العالم، يحدث نتيجة عكسية للأمر بهروب الآلاف للخارج، وقد يتصاعد الأمر إن زادت كلفة الحرب وإذا ما تبعها انهيار اقتصادي، فحينما تصبح الأراضي المحتلة طاردة ومنفرة وغير جاذبة فإن كل من يستطيع الهرب للحفاظ على حياته لن يتردد.
بدوره، أكد المختص بالشأن الإسرائيلي صلاح الخواجة، أنه ومنذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين أول 2023 وحتى اليوم تستمر موجات الهجرة العكسية.
وقال الخواجة لـ "فلسطين أون لاين": إن "الأيديولوجيا والرواية الصهيونية التي كانت تروج في دول العالم على أن الأراضي المحتلة هي المكان الآمن في فلسطين، لاستقطاب مزيد من يهود العالم، نسفت وتحطمت بالكامل وأدرك اليهود في العالم أن الدول التي يعيشون فيها أفضل من الأراضي المحتلة من حيث الأمن، بحيث لا يعيشون تحت القصف وظروف الموت".
وأضاف "بعد جريمة الاعتداء على إيران وارتكاب حماقة كبيرة في العدوان، أدركوا أنه لا يوجد أي مكان آمن في الأراضي المحتلة وبات لا يمكن العيش فيها مما جعل عدد كبير يبحث عن أي أماكن أخرى خارج فلسطين لحماية أنفسهم من القصف والصواريخ القادمة من إيران. وهذا يعتبره الإسرائيليون جزء من حماية النفس وتغليب المصلحة الذاتية على أي مصالح أخرى ويظهر أنه لا يوجد أي عقائدية بالانتماء لدولة الاحتلال".
ورأى أن إغلاق الاحتلال المجال الجوي لفلسطين المحتلة بحجة الخشية من تعرض المطارات للقصف، قد لا يكون منطقيا، لأن من يستطيع إعادة الإسرائيليين العالقين يستطيع السماح لخروج إسرائيليين، إلا إذا ما أراد منع الهجرة العكسية أو التقليل من حدتها.
وبالرغم من الإجراءات التي تتخذها حكومة الاحتلال بإغلاق الأجواء والمعابر أمام الهجرة العكسية، أشار إلى أن دولا كألمانيا نسقت لإخراج حملة الجنسية الألمانية من الطريق البري مع الأردن، فيما يغادر الإسرائيليون عبر يخوت وقوارب رغم التكلفة الكبيرة التي تدفع على الشخص الواحد والبالغة نحو عشرة آلاف دولار نحو جزيرة قبرص.
وقال الخواجة: "تدرك دولة الاحتلال أنه قد يحدث انهيار معنوي بسبب الحرب وقد تشجع موجات الهجرة آخرين على الهجرة لذلك قامت بإغلاق المعابر والمطارات"، مشيرا، إلى أن الحرب مع إيران ستكون مكلفة مع مشاهد الدمار الواسعة لما يحدث في (تل أبيب) وغيرها من المدن، وهي ضرب للعقيدة الصهيونية".

