منذ عدة سنوات وفي 2 نوفمبر/ تشرين ثاني من كل عام تنظم حملات شعبية فلسطينية وعربية وإسلامية ببريطانيا تطالب الحكومة البريطانية بالاعتذار عن وعد "بلفور" المشؤوم بإنشاء دولة الاحتلال الإسرائيلي على أرض فلسطين.
ورغم أن هذه الحملات لم تصل حتى اللحظة لحد التأثير على الموقف الحكومي الداعم للاحتلال استطاعت أن تسمع صوت الفلسطينيين للشارع الأوروبي والبريطاني بأن هناك رفضا لسياسة الحكومة البريطانية، وهو ما حظي بتأييد الرأي العام بالشارع البريطاني وكذلك الأحزاب المعارضة، وفق ما يرى متابعان للشأن الفلسطيني.
ويؤكد هؤلاء لـ"فلسطين"، على ضرورة أن تتحول أدوات الضغط الشعبي لأدوات ضغط سياسية أو اقتصادية تتبناها السلطة الفلسطينية وتساندها أنظمة عربية وإسلامية كي تشعر بريطانيا أن هناك ثمنا ستدفعه إن ظلت متجاهلة "للخطأ التاريخي" الذي ارتكبته.
وكانت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، جددت خلال حفل بمناسبة المئوية الأولى لـ"وعد بلفور"، مساء أول من أمس، رفضها الاعتذار عن وعد "بلفور" الذي مهد لقيام دولة (إسرائيل) على فلسطين، مؤكدة افتخارها بما قامت به بلادها في هذا الصدد.
وتزامن الحفل، مع وجود وقفة احتجاجية، قرب مقر الخارجية، مناهضة لوعد "بلفور"، نظمتها جماعات مؤيدة لفلسطين، ورافضة للصهيونية، وهي تحمل الأعلام الفلسطينية، كما من المقرر أن تشهد بريطانيا اليوم مظاهرات حاشدة يشارك بها الآلاف احتجاجا على عدم الاعتذار.
تجاهل الحقيقة
يقول رئيس منتدى التواصل الأوروبي الفلسطيني زاهر بيراوي: "إن الحكومة البريطانية تصر على موقف فيه قدر كبير من تجاهل "الحقيقة المرة" الواقعة على الأرض الفلسطينية المحتلة، فهي ترى تلك الحقيقة بمنظار الاحتلال لا بمنظار السياسية والعقل".
وأضاف بيراوي لصحيفة "فلسطين": "بريطانيا لا تراعي أن مثل هذه القرارات التي اتخذتها وتدرجت في الإعلان عنها من إحياء ذكرى وعد بلفور ثم اعلان الاحتفالات ثم المشاركة فيها، هذا يعني أن الحكومة لها تصور واحد لا غير وهو الاستمرار في دعم الاحتلال".
ولفت إلى أن رئيسة الوزراء البريطانية حسمت موقف حكومتها، رغم كل محاولات الضغط الشعبي في البلاد والقليل من الجهات الرسمية العربية، "ولكنها تحاول التخفيف من حدة موقفها بقولها إنها تدعم مبدأ حل الدولتين مع أن هذا الحل ليس له وجود من حيث الواقع".
وتابع: "لا يوجد لوبي يعنى بالموضوع الفلسطيني في بريطانيا، إذ إن هذا اللوبي يحتاج إلى دعم سياسي ومالي وهو غير متوفر باللوبي الفلسطيني الناشئ ببريطانيا"، لافتا إلى أنه لم يتم تحويل القوة على المستوى الشعبي وبلورتها لآليات ضغط سياسي فلسطيني وعربي رسمي لتغيير قرارات الحكومة البريطانية التي تعتمد على لوبيات الضغط السياسي فيها".
ولكي يكون للوبي الفلسطيني والفعاليات الشعبية تأثير، وفق بيراوي، يجب تحويلها لضغوط حقيقية على الأحزاب البرلمانية الحاكمة وليس الأحزاب المعارضة فقط، كما هو الحال في الحالة الفلسطينية في بريطانيا، التي تحظى بزخم واهتمام الأحزاب المعارضة.
وذكر بيراوي أن بريطانيا ستشهد مظاهرات وطنية اليوم سيشارك فيها عشرات الآلاف من المواطنين البريطانيين داعمة للحق الفلسطيني، وقال: "هذه الفعاليات قد لا تؤثر على الموقف الحكومي البريطاني لكنها تستطيع أن تسمع صوت الفلسطينيين للشارع الأوروبي والبريطاني أن هناك رفضا لسياسة الحكومة البريطانية".
ولفت إلى أن الاحتلال يعتبر أن اللوبي العامل ضدها في بريطانيا من أهم التحديدات التي تواجهه، واستدرك: "عندما نكون أقوياء أو نستطيع التأثير سواء بالمقاطعة السياسية أو الاقتصادية، عندها ستفكر وتراجع بريطانيا مواقفها".
الهروب من الحساب
الكاتب والمحلل السياسي سامر أبو العنين من جنيف رأى أن بريطانيا لا تريد أن تتحمل أي ذنب أو مسؤولية عن الجرائم والانتهاكات التي مارستها حينما كانت قوة عظمى تسيطر على جزء كبير من العالم، ومنها وعد "بلفور" الذي تسبب بطمس هوية شعب وتشريده من أرضه.
وقال أبو العنين لصحيفة "فلسطين": "إن الاعتراف بالخطأ يفرض أن تكون هناك تبعات للاعتذار واعادة تصحيح الخطأ، وهو ما لا تريده بريطانيا، إذ يعني الاعتراف بالنسبة لها أن المقاومة الفلسطينية على حق، لذلك تواصل الحكومة البريطانية المكابرة وعدم الاعتذار وفرض الأمر الواقع بوجود الاحتلال في فلسطين كما هو عليه كي يقبل به العرب والمسلمون".
وبشأن آلية تفعيل الضغط على الحكومة البريطانية من خلال التواصل مع المجتمع الأوروبي، رد بالقول: "إن هناك من البريطانيين من هم مؤمنون بعدالة القضية الفلسطينية، لذلك يجب التعويل على هذا الدور وكذلك على دور الفلسطينيين وكل العرب والمسلمين من المؤمنين بعدالة القضية للضغط على الحكومة البريطانية.
وبين أن النقابات ببريطانيا قوية ولها صوت مسموع، يؤثر على الرأي العام، وهناك وسائل إعلام بريطانية يمكن أن تستجيب لهذه الدعوات المناصرة للقضية الفلسطينية، مستدركا: "لكن جماعات الضغط السياسي الموالية للاحتلال لها تأثير على صناع القرار البريطاني، لذلك يبقى ضغط الرأي العام البريطاني على النظام الرسمي مهملا".
وأشار أبو العنين إلى أن النشاط الفلسطيني واضح لكنه لا يؤثر لأن القائمين عليه يواجهون ضغوط الجماعات الصهيونية التي تمتلك المال والتأثير على النظام السياسي.