ندرك أن قوى المقاومة الفلسطينية بلغت من الرشد مكانا، ولم تعد بحاجة لتوجيهات من أي طرف كان، ولذلك نحن على ثقة بأن قيادات المقاومة لديها ما يقال في كيفية الرد على جريمة الاحتلال الصهيوني في قصف النفق والتي أدت إلى استشهاد 12 من المجاهدين.
لقد حاول الاحتلال الصهيوني فرض معادلة جديدة على المقاومة في قطاع غزة وعمل على كسر قواعد اللعبة القديمة، وكان يريد استفزاز المقاومة وجرها نحو الاشتباك وفق ما يريد، خاصة أنه توقع أن يكون رد المقاومة على جريمته مماثلا لما حدث عام 2014 عندما استهدف ستة من المجاهدين من كتائب القسام في نفقٍ، في خانيونس أيضا، ولكن هذه المرة تحلت المقاومة بالصبر وضبط النفس والعمل على دراسة كل المعطيات معا بعد أن وضعت على طاولة البحث والنقاش الأوضاع الداخلية وأهداف الاحتلال من جريمته إضافة إلى قراءة متأنية في الرد على الجريمة.
ليس من حق أحد أن يقرر متى وكيف وأين يكون رد المقاومة؛ لأن المقاومة من الحكمة بمكان أن تحدد هي وفق ما لديها من معطيات ووفق تقديرها للموقف من كل جوانبه، ولا شك لدينا كمراقبين أن المقاومة ستقول كلمتها في الوقت المناسب وفي المكان المناسب، وبالكيفية التي تراها تؤلم الاحتلال.
دماء الشهداء ليست للمساومة، وليست مادة للجاهات والتدخلات، ولكنها غالية، والرد عليها يجب أن يكون بحجم الجريمة بما يخدم مصلحة الوطن العليا، وتأجيل الرد ليس ضعفا، ولكن حكمة تقتضيها الضرورة التي يعيشها الشعب الفلسطيني وهو يمضي في طريق المصالحة الوطنية الشاملة التي تعيد الهيبة للقضية والشعب، والمصالحة تقتضي تأجيل الرد أو استبدال الزمان والمكان بما لا يؤثر على سير المصالحة ويحقق مصلحة عليا للشعب الفلسطيني.
ليس بالضرورة أن يكون الرد كما كان يريد الاحتلال برشقات من الصواريخ وهو جاهز بكل إمكاناته لتنفيذ جرائمه، ولكن خاب فأله وقطعت عليه المقاومة ما كان يخطط له، فالملاحظ أنه بعد الجريمة وقصف النفق خرج قادة الاحتلال بصوت واحد سياسيا وعسكريا، وفي نفس الوقت كانت وسائل الإعلام تدق على نفس النغمة وتحركات الاحتلال العسكرية سبقت القصف، وهذا يدلل على أن الاحتلال كان يعد العدة لعدوان جديد بعد أن يشعل فتيل العدوان من خلال استهداف النفق واستشهاد المجاهدين، ولكن المقاومة بحكمة عالية آثرت ألا تنجر لمعركة يفرضها الاحتلال بطريقته ويحدد زمانها ومكانها فقطعت عليه ما كان يخطط له.
المعركة مع الاحتلال مفتوحة على كل الاحتمالات وكل السيناريوهات، والتي تحدد ذلك هي المقاومة، فالرد على الجريمة الصهيونية قادم لا محالة، ولكن ليس كما يخطط له الاحتلال، ولكن وفق معادلة تفرضها المقاومة، ونعتقد أن أمام المقاومة ثلاثة سيناريوهات في الرد على الجريمة الصهيونية؛ أولها: قد يكون الرد من خلال عملية فدائية داخل فلسطين المحتلة من عام 48، ثانيا: عملية فدائية داخل الضفة الغربية مستهدفة تجمعا لجنود الاحتلال، والسيناريو الثالث: أن الانطلاق بعمل عسكري من قطاع غزة على نفس النمط المعتاد، ولكن بالتوقيت الذي تراه المقاومة مناسبا.
رحم الله الشهداء جميعا، ونؤكد أن أي رد على العدو يجب أن يكون ردا جمعيا لكافة قوى المقاومة، وبقرار موحد يحدد قواعد المواجهة مع الاحتلال وزمانها ومكانها، وسيبقى الجهاد والمقاومة الطريق الذي خطه الشعب الفلسطيني بنفسه وأكد عليه وهو يودع الشهداء.