فلسطين أون لاين

​​شجعان وقفوا في وجه "بلفور" و"شياطين" كتبوا التاريخ الأسود

...
غزة - نور الدين صالح

يُعد "وعد بلفور" من أفظع الجرائم التي أوقعت الكثير من النكبات والتي لا تزال آثاره حاضرة وتعصف بالشعب الفلسطيني حتى اللحظة.

هو وعدٌ جرى الإعلان عنه في الثاني من نوفمبر عام 1917، وتبنى فكرة إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، حيث أُطلق عليه "وعد من لا يملك لمن لا يستحق"؛ وعدّه أحد المؤرخين "قمة الخداع اللفظي".

ويقول د.غسان وشاح رئيس قسم التاريخ والآثار في الجامعة الإسلامية؛ إن الوعد يتكون من 60 كلمة تقريبًا، ومكثت بريطانيا تفاوض الحركة الصهيونية قبل إصداره قرابة 3 سنوات، إضافة إلى أن مدة صياغته أخذت حوالي 6 أشهر.

وخلال حديثه مع "فلسطين"، أكد أنه في ذلك العام الذي أصدر فيه الوعد برزت عدة شخصيات من دول مختلفة أهمها بريطانيا و(إسرائيل) وفلسطين، وتركيا _العهد العثماني_ كان لها دور بارز آنذاك، وفي هذا التقرير نسلط الضوء على بعضٍ منها، وهم على النحو الآتي:

* آرثر بلفور (1848-1930)

وُلد آرثر بلفور وهو سياسي بريطاني في 25 يوليو عام 1848، في ويتنغهام التي تقع في أسكتلندا في الوقت الحالي، وهو من عائلة ثرية أرستقراطية، وتلقى تعليمه الديني من أمه في طفولته.

ارتبط اسم بلفور في الوعد الذي أصدره في الثاني من نوفمبر من عام 1917، الذي تضمن التصريح البريطاني الرسمي بالتعاطف في إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وذلك على شكل رسالة بعث بها اللورد بلفور الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية إلى اللورد روتشيلد المليونير اليهودي المعروف.

وعُرف عن بلفور اهتمامه الكبير في المسألة اليهودية، خلال فترة توليه منصب رئاسة الوزراء في بريطانيا (1902-1905)، وذلك عندما بدأت موجات هجرة شرق أوروبا تجتاح بريطانيا، وكان بلفور معارضًا لهذه الهجرة، انطلاقًا من موقفه الذي يستند إلى فكرة أنهم سيتسببون في كوارث قد تلحق بإنجلترا، ولذلك فإن من الأفضل تحويلهم إلى مادة نافعة لخدمة التشكيل الحضاري الغربي.

واستمر بلفور بدعم الصهيونية، وفي عام 1922 ألقى خطابًا في مجلس اللوردات البريطاني حثّ فيه بريطانيا على قبول فرض الانتداب على فلسطين، وتقدّم بمسودة قرار الانتداب لعصبة الأمم، كما شارك في افتتاح الجامعة العبرية في القدس عام 1925.

* هربرت صموئيل (1870-1963)

هربرت صموئيل هو سياسي بريطاني صهيوني من عائلة يهودية عريقة في عالم المال والتجارة، تلقى تعليمه في جامعة أكسفورد، وانضم إلى الحزب الليبرالي.

كان أول وزير يهودي بريطاني يتبنى الفكرة الصهيونية عام 1914م، ولعب دورًا مهمًا في خدمة الصهيونية، وسعى بأسلوب ماكر لوضع فلسطين تحت الحماية البريطانية؛ لأجل أن يطلق يد المنظمة الصهيونية في تهويد الأراضي الفلسطينية عن طريق تدفق المهاجرين اليهود وبناء المستوطنات تمهيدًا لاستحقاق إعلان دولة ما يسمى (إسرائيل).

وجرى تعيين صموئيل، كأول مندوب سامٍ على فلسطين، بعدم تولى سلطاته على جميع الدوائر الحكومية في فلسطين عام 1920، وتولى رئاسة المجلس التنفيذي وشكّل "مجلسًا استشاريًا يتكون من 20 عضوًا نصفهم إنجليز و7 من العرب و3 من اليهود.

ففي 2 أغسطس من العام نفسه استصدر صموئيل قانونًا للهجرة يسمح لـ16.500 يهودي بدخول فلسطين، فزاد عدد السكان اليهود في الفترة بين 1918-1925م من 105 آلاف إلى 118 ألفًا، وعمل على زيادة عدد المستوطنات من 44 إلى 100 مستوطنة.

* ليونيل والتر روتشيلد (1937 – 1868)

وُلد في الثامن من فبراير عام 1868، وهو مصرفي وسياسي يهودي بريطاني، وتوفي في السابع والعشرين 1937، وهو أحد أفراد عائلة روتشيلد المصرفية المعروفة والمنحدرة من مدينة فرانكفورت بألمانيا، ويعد الابن الأكبر للّورد ناثان روتشيلد.

كان "لونيل" المسؤول عن فرع عائلة روتشيلد في إنجلترا، و هي أسرة مصرفية يهودية، أصلها من مدينة فرانكفورت الألمانية، كما كان ليونيل أول عضـو يهـودي في البرلمان الإنجليزي، وزعيم الطائفة اليهودية الإنجليزية.

تجدر الإشارة إلى أن عائلة "روتشيلد" كانت في البداية رافضة لصهيونية هرتزل السياسية، لكن هذا الموقف تبدّل وأصبح يرى أن الوجود الصهيوني في فلسطين لا بد أن يأخذ شكل دولة لا شكل وطن قومي وحسب، وأن هذا يخدم مصالح الإمبراطورية البريطانية، ومن ثم مصالح عائلته.

تقرب من زعيميْ الحركة الصهيونية حاييم وايزمان (أول رئيس لإسرائيل فيما بعد) وناحوم سوكولوف، اللذين نجحا في إقناعه بالسعي لدى حكومة بريطانيا لمساعدة اليهود في بناء وطن قومي لهم في فلسطين.

وسعى ليونيل لاستصدار التعهد البريطاني المعروف باسم "وعد بلفور"، وعند إصدار وعد بلفور، كان روتشيلد رئيسًا شرفيًا للاتحاد الصهيوني لبريطانيا وإيرلندا، ودأبَ على إنشاء فيلق يهودي داخل الجيش البريطاني خلال الحرب العالمية الأولى، وتولى مسؤولية الدعوة إلى هذا الفيلق، الذي دخل فلسطين مع الجيش البريطاني، وجمع المتطوعين له.

* حاييم وايزمان (1874 – 1952)

وُلد وايزمان في روسيا عام 1874، ولعب الدور الأهم في استصدار وعد بلفور نوفمبر 1917، وكان رئيسا للمنظمة الصهيونية العالمية منذ عام 1920 حتى عام 1946 ثم انتخب أول رئيس لدولة الاحتلال 1949.

شارك وايزمان عام 1903، في تأسيس الكتلة الديمقراطية التي نادت بالصهيونية العملية، في عام 1904 هاجر إلى بريطانيا حيث حصل على شهادة جامعية في الكيمياء من جامعة مانشستر.

وترأس اتحاد النقابات الصهيونية "الهستدروت"، وعدّ رجل الارتباط الأساسي مع حكومة بريطانيا بين عامي 1921 و1946 مع توقف قصير بين عامي 1931 و1935، كما أيد قرار تقسيم فلسطين، وكان يميل إلى انضمام إسرائيل إلى اتحاد شرق أوسطي.

* الحاج محمد أمين الحسيني

وُلد محمد أمين الحسيني عام 1895 في القدس لأسرة ميسورة، وكان من أشهر من تولى منصب الإفتاء في فلسطين، حيث شغل في ذات الوقت رئيس المجلس الإسلامي الأعلى ورئيس العلماء.

ظل يلعب دورًا مهمًا في الصراع العربي الإسرائيلي خاصةً في سنواته الأولى أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات، وكان ينادي بوجوب محاربة الحكم البريطاني والتسلل الصهيوني لفلسطين، وكانت له آراء في تنظيم أمور القضاء والمحاكم الشرعية.

كما نادى بوجوب اعتبار قضية فلسطين قضية العرب كلهم وقضية العالم الإسلامي، وكان شديدًا في مواجهته لسماسرة بيع الأراضي والعقارات الفلسطينية إلى اليهود وعدّ من يقومون بعمليات البيع هذه "خارجين عن الدين الإسلامي ولا يجوز الصلاة عليهم ولا دفنهم في مقابر المسلمين".

وعقب صدور "وعد بلفور" قرر الحاج محمد أمين العودة إلى القدس وعمل معلمًا في كلية روضة المعارف الوطنية في القدس.

وبعد احتلال الإنكليز للمدينة في نفس العام انصرف إلى تنظيم الفلسطينيين في حركة وطنية شاملة ضد الاستعمار والصهيونية. ونادى علنًا بوجوب محاربة الحكم البريطاني والغزوة الصهيونية، وجعل يحذر الفلسطينيين والعرب والمسلمين من أخطار الخطة الاستعمارية الصهيونية ويدعوهم إلى مقاومتها وإحباطها.

وقد استجاب له نفر من أصدقائه سنة 1918م فكوّنوا في القدس أول منظمة سياسية عرفتها فلسطين في تاريخها الحديث وهي "النادي العربي" الذي انتخب الحاج محمد أمين رئيسًا له.

* موسى كاظم الحسيني (1853 – 1934)

وُلد في مدينة القدس عام 1853، وهو أحد رجالات القضية الفلسطينية البارزين، وتلقى دراسته الأولية فيها، ثم انتقل إلى الأستانة ودرس في "مكتب ملكية" الذي يُعين خريجوه حكامًا في الأقضية (قائمقامين).

التحق بعد تخرجه بخدمة الإدارة العثمانية فعين قائمقام في يافا وصفد وعكار وإربد، فمتصرفًا في عسير باليمن؛ ثم نقل إلى تبليس وأرجميدان في الأناضول، وإلى حوران في سوريا، فالمتفق في العراق، وظل هناك إلى أن أحيل على التقاعد سنة 1914 فعاد إلى القدس.

عين رئيسًا لبلدية القدس مع بداية الاحتلال البريطاني لفلسطين، وقد اشترطت عليه سلطات الاحتلال ألا يستغل السياسة.

ولكنه لم يتقيد بذلك فاستقال من رئاسة البلدية سنة 1920 وقاد في آذار من تلك السنة مظاهرات ضخمة كانت تطالب بانضمام فلسطين إلى سوريا ويهاجم الاستعمار الصهيوني.

وقد انتخب المؤتمر العربي الفلسطيني الثالث الذي عقد في حيفا (13/12/1920) بعد سقوط حكومة الملك فيصل في دمشق موسى كاظم الحسيني رئيسًا له ورئيسًا للجنة التنفيذية العربية التي ظل يترأسها حتى وفاته.

وقد أعلن المؤتمر برئاسته بطلان وعد بلفور وإلغاءه ومنع الهجرة اليهودية، وطالب بتأسيس حكومة وطنية مسؤولة أمام مجلس (برلمان) ينتخب أعضاءه أهل فلسطين، ونادى بتوحيد فلسطين مع شقيقاتها العربيات.

كان موسى كاظم الحسيني الأب الجليل للحركة الوطنية الفلسطينية طوال السنوات التي قضاها رئيسًا للجنة التنفيذية العربية وترأس خلالها جميع الوفود التي ذهبت إلى لندن لإقناع حكومتها بالتخلي عن سياسة وعد بلفور.

وفي سنة 1933 قاد المظاهرات في يافا وأصيب في أثنائها بجراح نقل على إثرها إلى المستشفى. وقد توفي في السنة التالية فدفن في المدرسة الخاتونية بباب الحديد غربي الحرم حيث دفن فيما بعد ابنه عبد القادر الحسيني بطل معركة القسطل.

* السلطان العثماني عبد الحميد الثاني

وُلد عبد الحميد الثاني في21 سبتمبر 1842 في "قصر جراغان" في إسطنبول، وتولى الحكم عام 1876، خلفًا لأخيه السلطان مراد الخامس.

بُويع عبد الحميد الثاني بالخلافة وعرش السلطنة، عندما كانت البلاد تمر في أزمات حادة ومصاعب مالية كبيرة، وتشهد ثورات عاتية في البلقان تقوم بها عناصر قومية تتوثب لتحقيق انفصالها، وتتعرض لمؤامرات سياسية بهدف اقتسام تركة "الرجل المريض".

منذ اليوم الأول لارتقائه العرش، واجه السلطان عبد الحميد موقفًا دقيقًا وعصيبًا، فقد كانت الأزمات تهدد كيان الدولة، وازدادت سرعة انتشار الأفكار الانفصالية، وأصبح للوطنية معنى جديد أخذت فكرته تنمو وتترعرع في الولايات العثمانية، ووجد السلطان نفسه مشبع بالثورة والاضطراب.

عرض "حاييم كوديلا" على السلطان شراء مساحات من الأراضي في فلسطين لإسكان المهاجرين اليهود فيها إلا أنه رفض عرضه.

في أواخر القرن التاسع عشر برز "تيودور هرتزل" وهو صحفي يهودي نمساوي، وحاول بكل الطرق إقناع السُلطان عبد الحميد، فاستغل "القضية الأرمنية" وعرض عليه بذل الجهود من أجل تسوية المشكلة ولقيت فكرته ترحيبًا من السلطان.